قبل وخلال كل موسم يكثر الكلام عن أسماء شابة جديدة قدّمت نفسها بقوّة في كرة القدم اللبنانية. لكن خلال الموسم الحالي طغى الكلام في مراحل عدة عن أسماء مخضرمة اعتبر البعض في فترة من الفترات أنها باتت على أبواب الاعتزال، لكنها ما لبثت أن بدّلت هذه النظرة وحملت فرقها على أكتافها، لا بل صنعت الفارق بشكلٍ واضح للعيان، لتصح فيهم مقولة أن «الذهب يبقى ذهباً ولا يصدأ»«مايسترو» الأنصار عباس عطوي «أونيكا»، ونجم خط وسط شباب الساحل عباس عطوي، وزميله المدافع المحارب زهير عبدالله، وقائد التضامن صور بلال حاجو، إضافةً إلى أسماء أخرى للاعبين وصلوا تقريباً لمنتصف العقد الثالث من العمر أو تخطوه بسنوات، لكنهم لا يزالون من الأفضل في الملاعب اللبنانية.
يقدم «أونيكا» أداء استثنائياً هذا الموسم (عدنان الحاج علي)

ببساطة شكّل هؤلاء اللاعبون علامة فارقة في الكثير من المباريات، ونافسوا على جائزة الأفضل الأسبوعيّة وحتى حجزوا أماكن لهم في التشكيلات المثالية الصادرة عن أكثر من وسيلة إعلامية. هذه المسألة إذا ما دلّت على شيء فهي على اجتهاد هؤلاء اللاعبين بالدرجة الأولى، وعلى تفوّق الجيل السابق (فرديّاً) في جوانب عدة على الجيل الحالي، وذلك من خلال نقاطٍ فنية إذا ما اتّبعها اللاعبون الشبّان وأخذوا المخضرمين مثالاً أعلى لهم فإنهم سيتمكنون من النسج على المنوال عينه مستقبلاً، ولو أن في الأمر صعوبة إلى حدٍّ ما.

تحدّي الذات
17 مباراة خاضها نجم الأنصار عباس عطوي هذا الموسم، 14 منها أساسياً. ففي 1186 دقيقة على أرض الملعب أكد «أونيكا» أنه لم يخسر شيئاً من تلك الإمكانات التي جعلت كثيرين يقولون في فترة من الفترات بأنه يستحق أن يحترف في الخارج. هو كلام صحيح، إذ تقنياً قلّة هم اللاعبون الذين يُعتبرون على شاكلة لاعب العهد وأولمبيك بيروت والبرج السابق، والذي يرسم تمريراته الحاسمة بدقّة بالقدمين وبنفس الجودة، ما مكّنه من إهداء زملائه 4 أهداف هذا الموسم، إضافة إلى هزّه شباك كلّ من التضامن صور، الصفاء، البقاع، السلام زغرتا والراسينغ.
5 أهداف وُصف بعضها بالتحفة الفنية، فعاد الحديث حول مدى أهمية وجود لاعبٍ صاحب خبرة مثل «أونيكا» في كل فريق يريد المنافسة على المراكز المتقدّمة، وخصوصاً أن الروح القيادية مطلوبة دائماً على أرض الملعب بوجود لاعبٍ موجّه وحاسم في آنٍ معاً.
تفوّق المخضرمون على أبناء الجيل الجديد في محطات عدة


«أونيكا» وصل إلى الـ 34 من العمر، لكنه لا يزال يؤدي دوره على أرض الملعب وكأنه في عزّ شبابه. أما السبب برأيه فهو روح التحدي التي يخلقها اللاعب لنفسه. أمرٌ يتحدث عنه الرقم 10 بإسهاب، لكنه أيضاً يتوجّه للكلام عن أسبابٍ أخرى، فيقول في حديثٍ مع «الأخبار»، «علينا أن نعترف أيضاً بأن الدوري اللبناني لم يعد بنفس القوة والصعوبة التي شهدناها في مواسم سابقة، لذا يمكن للاعب المتقدّم بالعمر أن يجاري الأصغر منه سنّاً ويترك تأثيره في الملعب، لكن أيضاً هذه المسألة تتوقف عند نقاطٍ عدة». ويتابع، «سابقاً كان كل فريق في الدوري يضم 8 أو 9 لاعبين من نجوم اللعبة، لكن الجيل الحالي عادي جداً لأن غالبية أبنائه غير ملتزمين بأساسيات اللعبة داخل الملعب وخارجه كما كان حالنا دائماً». ويضيف لاعب الأنصار، «الآن هناك مال أكثر في اللعبة لكن مواهب أقل، فأنا على الصعيد الشخصي استطعت الحفاظ على لياقتي البدنية وإمكاناتي الفردية من خلال عدم إهمال التمارين بحيث أخضع لحصتين تدريبيتين في أيامٍ معينة، وأحرص دائماً على مراقبة وزني ونوعية الطعام الذي أتناوله، إذ مع تقدّم اللاعب بالسن يمكن أن يكسب الوزن بسهولة وهو أمر يؤثر على طبيعة حركته على أرض الملعب». وإذ يؤكد «أونيكا» أن العمر ليس مقياساً، فإنه يشدد على مسألة مهمة وهي، «الراحة النفسية التي يشعر بها اللاعب مع فريقه، فيبقى قادراً على العطاء على أعلى مستوى بغضّ النظر عن عمره. كذلك، يبدو مهماً وجود لاعبين على مستوى عالٍ حوله ومتفاهمين معه يساعدونه على تأدية واجبه بالشكل الصحيح».

الجديّة قبل كل شيء
عباس عطوي الآخر يلتقي مع «أونيكا» حول نقاطٍ عدة، وخصوصاً مسألة الالتزام والابتعاد عن كل ما يمكن أن يضع اللاعب في موقفٍ صعب خلال المباريات. هو أصلاً يعتبر علامة فارقة في الملاعب كونه في الـ 39 من العمر، ويعدّ أحد أكبر لاعبي الدوري. أما تألقه مع شباب الساحل هذا الموسم فهو ليس غريباً، إذ في سن الـ 34 كان قد أحرز جائزة أفضل لاعب في لبنان، وواظب على الحفاظ على مستواه بفعل عوامل عدة لم يهملها يوماً.
15 مباراة لعبها عطوي هذا الموسم، 13 منها أساسياً، وبمجموع 1136 دقيقة، وقد تمكن خلالها من تسجيل 4 أهداف، فهزّ شباك البقاع والتضامن صور، والراسينغ مرتين. كما مرر 4 كرات حاسمة لأربعة لاعبين مختلفين في لقاءات شباب الساحل مع طرابلس، الصفاء، الأنصار والراسينغ. ويشرح عطوي في حديثه إلى «الأخبار» قائلاً: «الجديّة في التمارين تأتي في مقدمة الأسباب التي تجعل اللاعب محافظاً على مستواه لأنك تلعب المباريات على صورة التمارين التي تخوضها». ومعلوم عن قائد النجمة السابق بأنه ينام باكراً ويتفادى السهر حتى ساعات متأخرة من الليل، إذ برأيه أن المسألة الأخيرة هي أكثر العناصر أذيّة للاعب وتولدّ الإصابات، «فهناك لاعبون في الـ 25 من العمر خضعوا لعمليات جراحية كثيرة بفعل الإصابات التي أثّرت لاحقاً على مسيرتهم. أضف أنهم يصابون بشدّ عضلي خلال وقتٍ مبكر من المباريات والسبب عدم إراحة الجسد». وعن الإصابات يقول عطوي: «خلال فترة الإصابة أحرص على نظامٍ غذائي معيّن لكي لا أكسب وزناً زائداً، ولا أتناول الأطعمة المضرّة بالنسبة إلى لاعب الكرة». هو أصلاً يعمل دائماً على تحسين وتمكين مستواه البدني من خلال تمارين العضلات وفق طرقٍ علمية حتى خلال فترة توقف الدوري، ويقول «أخلد إلى الراحة لفترةٍ قصيرة ثم أعمل على إبقاء العضلة جاهزة، وهي أيضاً مسألة تحدّ من التعرّض للإصابة».
يرفض عطوي الكلام عن عدم وجود مواهب في لبنان، فيقول: «صحيح أن هناك لاعبين اعتُبروا الأفضل في موسمٍ معيّن ثم اختفوا بسبب عدم مثابرتهم، لكن الكثيرين من مواهب الجيل الحالي يمكنها البقاء لعمرٍ طويل في الملاعب. أما مشكلة هذا الجيل فإن هناك الكثير من الأمور التي تلهيه عن التزامه، وذلك بعكس الماضي حيث كان اللاعب يركّز في عمر الشباب على انطلاقته لا على أشياء أخرى، فيعتاد على المثابرة، وبالتالي يبقى قادراً على التأدية بشكلٍ جيّد حتى لو بلغ سن الـ 40».
الثنائي عطوي يختصر مسألة مهمة وهي أن اللاعب لا يلعب باسمه أو يحمل أمجاده ويتغنّى بها من دون أن يقدّم شيئاً يذكر، بل إنه يُحاسب على ما يقدّمه في الملعب. والأمر ذاته ينطبق على لاعبين مثل بلال حاجو (39 عاماً) وزهير عبدالله (35 عاماً) الذين يبثّون روح التضحية والقتال على أرض الملعب في نفوس زملائهم، فتراهم يتأثرون بهم ويعملون على اللعب بنفس النسق.