حتى الأمس القريب، قلّة قليلة كانت تعرف اسم جاكي شمعون. حتى بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أعطتها أسماءً أخرى ضمن تقاريرها التي تتحدث عن البعثة اللبنانية المشاركة في سوتشي 2014، فكان اسمها جيسي في إحدى المرات، وجويس في مرة أخرى، قبل أن تسقط كل هذه الأسماء وتصبح الأوصاف الحسنة أو البشعة هي التي تدلّ على هوية البطلة اللبنانية بعد انتشار فيلم عن جلسة التصوير التي قامت بها في فاريا قبل ثلاثة أعوام على حدّ قولها.
فعلاً، حتى معشر الرياضيين لم يكترث لاسم جاكي عندما أعلنت اللجنة الأولمبية اللبنانية عن اسمَي ممثليها في سوتشي، فالمشاركة بحسب اللجنة كانت رمزية، والاتحاد اللبناني للتزلج لم يسوّق لها أصلاً، ففي نهاية المطاف يبدو الاهتمام الإعلامي بسيطاً إلى أبعد الحدود بهذه الرياضة التي لا تهم الرأي العام بقدر الرياضات الأخرى.
لكن بالأمس كان الكل مهتماً، وباتت جاكي إحدى الرياضيات الأكثر شهرة في البلاد. كيف لا، وهي قدّمت للبنانيين ما يهمّهم.
نعم، حتى الأمس لم يكن أحد مهتماً بالنتائج التي يمكن أن تحققها جاكي شمعون وزميلها الكسندر مخباط في سوتشي. لم تهتم وزارة الشباب والرياضة التي طالبت بفتح تحقيق أمس، ومن خلفها اللجنة الأولمبية بما يمكن تسميته على الصعيد الرياضي «فضيحة» بعد ذهاب الثنائي المذكور إلى سوتشي من دون مدرب، بل كثُر الإداريون في البعثة على حساب الفنيين.
لكن الآن أصبح كل شيء يحيط بالبعثة اللبنانية وبجاكي شمعون «فضيحة»، وأصبح الاهتمام واضحاً بمتابعة أخبار الشابة وبردود فعلها حول ما حصل. أما السبب، فهو قيامها بأمرٍ يعتبر عادياً بالنسبة إلى الرياضيين والرياضيات أصحاب المظهر الحسن، الذين يُقدم بعضهم على فعلة كهذه لأسبابٍ مختلفة، منها الشعور بالإطراء عند الطلب إليهم عرض أجسادهم المثالية أمام الكاميرات، على غرار ما فعلت البطلات الألمانيات رومي تارانغول (جودو) وبترا نيمان (المراكب الشراعية) وكاترين شولز (هوكي على الحشيش) ونيكول رينهاردت (كاياك) اللواتي وافقن على الظهور على غلاف مجلة «بلايبوي» بنسختها الألمانية. أما آخرون، فإنهم يُقدمون على هذا الأمر من باب العمل الخيري، بحيث إن عائدات الصور التي التقطت لهم (غالباً لإصدار روزنامة) تذهب إلى جمعيات خيرية أو إلى قضية مثل مساعدة مرضى السرطان أو غيرهم، على غرار ما فعلت في إحدى المرات أشهر حارسة مرمى لكرة القدم في العالم، الأميركية الفاتنة هوب سولو. كذلك، هناك فئة تفعلها فقط لمجرد أنه أمر عادي أو تجربة جديدة، وكان آخر روادها نجمة كرة المضرب البولونية أنييسكا رادفانسكا.
ويمكن وضع جاكي في الفئة الأخيرة، وهو أمر يمكن لمسه من خلال ما أوردته على صفحتها الرسمية على موقع «فايسبوك»، مقدّمة اعتذارها ومبدية أسفها، إذ أشارت إلى أن «الصور الأساسية التي التقطت ليست كالصور التي يتم تداولها حالياً. الفيديو والصور التي ترونها الآن هي جزء من صناعة الصور وإعدادها، ولم يكن من المفترض أن تصبح في متناول الجمهور».
كذلك يمكن لمس هذا الأمر من زاوية أخرى؛ إذ إن القصة ليست جديدة، حيث سبق أن تناول موقع «أن بي سي» المتخصّص بالألعاب الاولمبية هذه المسألة (تصوير جاكي لروزنامة نمسوية) في 30 كانون الثاني الماضي من خلال مقابلة مع البطلة اللبنانية تحدثت فيها عن تجربتها. هذه التجربة التي وضعت جاكي بين أكثر الرياضيات إثارة في الألعاب الأولمبية الشتوية بحسب الصحيفة الإلكترونية الكندية «هافينغتون بوست».
كذلك تناولت صحف عدة منها «ذا دايلي مايل» البريطانية تقارير عن العدد الكبير من الرياضيات المثيرات في سوتشي، مركّزة على تسخين النجمات الروسيات للأجواء الباردة من خلال التقاط صور لهنّ شبه عاريات، وعلى رأسهن بطلة سباقات المضمار القصير تاتيانا بورودولينا، والمتزلجة إيكاترينا ستولياروفا، وبطلة أوروبا في التزلج الاستعراضي إيكاترينا بوبروفا، وحارسة مرمى منتخب الهوكي على الجليد آنا بروغوفا وزميلتها زفتلانا كولميكوفا، وغيرهن الكثيرات، حيث يبدو وكأن كل فتيات البعثة الروسية خضعن لجلسات تصوير من هذا النوع.
وما فعلته الشابة اللبنانية، السويسرية الإقامة، في فاريا تحديداً هو أمر ربما اعتاده رواد المنحدرات هناك حيث أصبحت المنطقة محطة أساسية في عروض الملابس الداخلية تحت أنظار الموجودين من كهول وشبان وشابات وأطفال. لكن هو أمر محرّم على رياضية خرجت تمثّل لبنان، رغم أن اللجنة الأولمبية سبق أن أُبلغت بانتشار صورٍ مماثلة لرياضية لبنانية أخرى معروفة لا تزال تنافس باسم لبنان خارجياً.
لكن المفاجأة كانت ردّ فعل اللجنة الأولمبية التي وإن كانت قد رفضت تصرف شمعون، مشيرة إلى أنها لا تعكس الصورة الحقيقية للرياضيين اللبنانيين، فإنها وقعت في خطأ بعد طلب وزير الشباب والرياضة فتح تحقيق في ما حصل، وذلك عندما وجّهت في البند الثاني في البيان الذي وزّعته على وسائل الإعلام دعوة إلى الجهات الرسمية المعنية للتحرك واعتبار بيان اللجنة الأولمبية بمثابة إخبار!
«الأخبار» سألت محامي جمعية «مهارات» طوني مخايل، وهي جمعية معنية بحرية الرأي والتعبير، فقال: «ليس هناك أسباب قانونية لاعتبار الأمر إخباراً، حيث لم تقم جاكي شمعون بفعلة مخلّة بالآداب العامة عبر خدش حياء الناس على سبيل المثال، بل إن ما أقدمت عليه هو لهدفٍ محدد، وبالتالي يمكن إسقاط أي جرمٍ عنها، فهي أصلاً لم تُقدم على نشر الصور». وأضاف: «قالت شمعون إن صورها أخذت قبل 3 أعوام، وبالتالي فإن مرور الزمن يسقط عنها أي تهمة».
الأجواء من سوتشي لا تبدو جيّدة إطلاقاً؛ إذ إن التأثير المعنوي لما حصل طاول البعثة بأكملها، في الوقت الذي أبعد فيه رئيس البعثة والأمين العام لاتحاد التزلج فريدي كيروز، جاكي عن أي تواصل إعلامي، وهو قال في اتصالٍ مع «الأخبار» ردّاً على اتهام البعض لاتحاده وللجنة الأولمبية بتسمية شمعون لتمثيل لبنان بعد تصرّفها المذكور: «لم نكن نعلم كاتحاد أو كلجنة أولمبية بهذا الأمر، وأنا على الصعيد الشخصي مسؤول عن تصرفات أفراد البعثة خلال وجودهم معي في الاستحقاق». وأكد كيروز التزامه بيان اللجنة الأولمبية، مشيراً إلى دعوته الاتحاد إلى اجتماع فور عودته من سوتشي من أجل التباحث في القضية.
أما شريكة جاكي شمعون في الفيلم القصير الذي عرض وقائع جلسة تصويرهما، أي المتزلجة الأخرى شيرين نجيم التي لم يُركَّز عليها كثيراً لعدم مشاركتها في سوتشي، فأفادت «الأخبار» من مقرّ إقامتها في شيكاغو بأنها لن تعلّق على أي شيء بهذا الخصوص.
أما في لبنان، فقد أصبح السؤال عن مدى تشويه جاكي شمعون لصورة البلاد، وهو سؤال يثير انقساماً واسع النطاق، إذ يرى فريقٌ أن الشابة المتحرّرة أساءت إلى القيم في بلدٍ «محافظ»، وهي أمر لم تسقطه شمعون في اعتذارها. إلا أن رأياً آخر سأل عن مدى تأثير انتشار صورٍ جريئة على صورة لبنان المشوّهة أصلاً بفعل التجاذبات السياسية والأحداث الإرهابية وإثارة النعرات الطائفية واضطهاد النساء وتزويج القاصرات، إضافة إلى الفضائح المختلفة الأنواع التي ارتبط بها سياسيون وفنانون قبل الرياضيين الذين يعجّ وسطهم أصلاً بشتى أنواع المخالفات وما يوازيها.
الرأي الأول الذي اتهم الرأي الثاني بالفجور، فيه من واقعٍ نعيشه، والرأي الثاني الذي ردّ على الأول بممارسة الإرهاب الثقافي فيه حقيقة مرّة تظهر واضحة في مجالات مختلفة. لكن أيّاً يكن من أمر، تعكس قضية جاكي شمعون صورة مجتمعٍ منقسمٍ حتى في طريقة تفكيره، وصورة أخرى بأن لبنان ليس قندهار.
أخطأت الفتاة أو لم تخطئ، ربما في هذه الحالة لا يصح سوى القول: «من منا بلا خطيئة فليرجمها بحجر».

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem