تؤثر وسائل الإعلام وأضواء الشهرة على صورة اللاعبين ونجوم الرياضة بعيون الجماهير. الإعلام العالمي يعطي مساحة كبيرة لحياة اللاعبين والبذخ والترف الذي يعيشونه، ولكن الإضاءة لا تكون كبيرة على النشاطات الاجتماعية لهؤلاء النجوم. عدد كبير من المحترفين، دائماً ما يكون لديهم حنين إلى البدايات، وإلى الأزقّة التي خرجوا منها إلى العالمية. هناك كانت البداية، واللاعبون يعودون إلى هناك لتأسيس جمعيات ومساعدة من كانوا سبباً بنجاحهم ونجوميّتهم. وكما يطلق عليها في أميركا الجنوبية، وتحديداً في البرازيل، فإن هذه الأزقة وأحياء الصفيح التي تخرّج النجوم تسمّى حدائق المجد.أقدم نجم كرة السلة الأميركية كريم عبد الجبار مطلع هذا الشهر على بيع 234 قطعة من تذكاراته وجوائزه في مزادٍ علني، مقابل ثلاثة ملايين دولار، وذلك بغية تخصيص المبلغ لتعليم الأطفال. وأول من أمس، زار نجم برشلونة السابق صامويل ايتو أطفالاً في مدرسة في بلده الكاميرون، مؤكداً التزامه بالعمل الخيري لدعم أبناء وطنه. هكذا، لا يوفّر نجوم الكرة العالميون فرصةً لإبراز الجانب الإنساني لديهم، ليثبتوا أنّ الرياضة هي أبعد من كونها مجرد ركل وتسديد للكرات وهزّ الشباك.
تبرّع العديد من النجوم لبناء مستشفيات ومراكز لمعالجة المصابين بالأمراض المستعصية


تختلف طباع اللاعبين، فمنهم من لا يقتصر عملهم على تسجيل الأهداف وتحقيق الألقاب مع أنديتهم، إذ يتسابق الكثيرون منهم لدعم المناطق التي خرجوا منها، ورسم البسمة على شفاه المحتاجين في مختلف أنحاء العالم. وفي الوقت الذي يسارع فيه العديد من اللاعبين إلى صرف مرتّباتهم العالية لشراء أحدث السيارات وأغلى القصور، إلا أنّ آخرين آثروا الانخراط في الأعمال الخيرية، ولا سيما الذين عاشوا منهم في ظروف وأوضاع اجتماعية ومادية صعبة. ولأنّ ازدحام جدول أعمالهم لا يسمح لهم غالباً بالمشاركة شخصياً في أعمالٍ تطوعية، لجأ العديد منهم إلى تأسيس جمعيات ومؤسسات خيرية تتولى الاهتمام بحاجات أبناء بلدهم وموطنهم. ولا يتوانى اللاعبون عن تقديم يد العون إلى من هم بحاجة، ليساعدوا على تغيير حياة الكثيرين، ويسهموا بالتالي في إزالة صورة الجشع المرتبطة بهم في ذهن الجماهير. والأمثلة على ذلك كثيرة.

ديديه دروغبا
ولد لاعب تشيلسي السابق في أحياء ساحل العاج الفقيرة لأبوين فقيرين، إلا أنه نجح في تغيير حياته وحياة الكثيرين إلى الأفضل بعد تحوله إلى نجم كرة قدم. هكذا يكون دروغبا قد حول الصورة المطبوعة في رؤوس الأطفال بساحل العاج إلى حقيقة. ساهم لاعب المنتخب الإيفواري في بناء خمسة مستشفيات في بلده والعديد من المشاريع الإنمائية من ماله الخاص، ليتم تشبيهه بالعديد من القادة السياسيين والثوريين الذين قدموا الدعم للشعوب الفقيرة والمظلومة في العالم. ويمتلك دروغبا مؤسسة خيرية في بلاده هدفها توفير الاحتياجات الضرورية لأبناء شعبه، كما يُعتبر إحدى أهم الشخصيات في بلاده تأثيراً بسبب دوره في إحلال السلام فيها، وذلك بعدما وجّه نداءً إلى شعبه عقب تأهل بلاده إلى كأس العالم عام 2006 لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات. كما افتتح دروغبا مدرسةً لتعليم الأطفال في موطنه، لافتاً إلى أنّ «هذا شيء مهم جداً بالنسبة إليّ، ليس فقط لأنني ألعب كرة قدم، بل لأنني أريد فعل ذلك لتعزيز نفسي».

صامويل إيتو
انخرط اللاعب الكاميروني الفائز بدوري أبطال أوروبا لثلاث مرات في الأعمال الخيرية في موطنه من خلال تأسيسه مؤسسة للأطفال الذين يعانون سوء التغذية، بالإضافة إلى غير المتعلمين وذلك للحصول على فرص حياة أفضل. كما أنّ مؤسسة إيتو الخيريّة عَملت بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة للاجئين على مساعدة الضحايا، جراء ممارسات تنظيم «بوكو حرام» الإرهابي، لتطلق عام 2015 مبادرة «نافخ الصفارة الصفراء»، وذلك لجمع التبرعات لأهالي الضحايا والمصابين جراء هجمات التنظيم والتفجيرات، ومساعدة الذين أجبروا على الفرار من منازلهم في نيجيريا، وموطنه الأصلي الكاميرون، على نشر الوعي عن معاناتهم. كما شارك نجم تشيلسي السابق في حملة «FIFA 11 من أجل الصحة» التي عالجت وباء الإيبولا المميت في غرب أفريقيا.

محمد صلاح
تمكن «الفرعون المصري» من تحقيق شهرة واسعة في كرة القدم العالمية، وفاز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا إلى جانب عدد من الجوائز في إنكلترا، إلا أنّ ذلك لم ينسِه المكان الذي أتى منه. فكان لقرية نغريد المصرية نصيبٌ كبيرٌ من اهتمام لاعب ليفربول الإنكليزي الحالي، إذ ساعد في بناء مستشفى ومدرسة في منطقته، بالإضافة إلى تبرعه بمبلغ مالي للعناية بالأسر الفقيرة من لاعبي كرة القدم المتقاعدين، وتبرعه بجوائز تذكارية ومعدات رياضية لمساعدة فرق كرة القدم المحلية. إلى جانب ذلك، ساهم صلاح في تطوير فصول مدرسته الابتدائية، كما ساعد على إنشاء وحدة غسيل كلوي للمرضى من أبناء قريته، وتبرع للمساهمة في علاج مرضى التهاب الكبد الوبائي. ولم يقتصر الأمر على هذا، إذ قدّم صلاح مساعدات اجتماعيّة عديدة لأبناء منطقته في مصر، إلى جانب وجود مؤسسة باسمه تخصص مبلغاً شهرياً للمحتاجين، وذلك بعد حصر الأسر التي تحتاج إلى ذلك داخل القرية والقرى المجاورة أيضاً في منطقته.

ليونيل ميسي
اختارت اليونيسف اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي سفيراً للنيات الحسنة منذ عام 2010، وذلك لمشاركة النجم الأرجنتيني الدائم في الأعمال المتعلقة برعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. طموح ميسي الخيري النابع من معاناته في العلاج خلال طفولته، جعله يسلط اهتمامه على الأطفال الذين يمرّون بما قاساه. فأنشأ مؤسسة «ليو ميسي» عام 2017، وهي مؤسسة خيرية تُعنى بتأمين التعليم والرعاية الصحية للأطفال، وتعمل على تشخيص الأطفال الأرجنتينيين الذين يعانون من ظروف صحية، من خلال تقديم العلاج فى إسبانيا، وتشمل النقل والمستشفيات وتكاليف الشفاء. كما تبرع ميسي ومؤسسته الخيرية بمبلغ 2.6 مليون يورو للمساعدة في تمويل مركز رئيسي جديد لسرطان الطفولة في برشلونة في أواخر العام الماضي، إلى جانب تقديم مؤسسته مطلع العام الحالي تبرعات مالية لمستشفى في بوينوس أيرس متخصصة في علاج سرطان الأطفال، بهدف مساعدة المركز الطبي على تعزيز قنوات البحث في مجال أورام المخ لدى الأطفال.

كريستيانو رونالدو
لم يكن مفاجئاً تربّع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو على قائمة أكثر الشخصيات الرياضية إقبالاً على الأعمال الخيرية عام 2015، ولا سيما بعد تصدره عناوين الصحف دائماً بسبب مبادراته الإنسانية. لاعب يوفنتوس الإيطالي الحالي وريال مدريد السابق الذي عانى الفقر وقاسى ظروفاً صعبة في صغره، خَبر مرارة الحرمان، لذلك فهو يسعى دائماً إلى مساعدة الآخرين على تحسين حياتهم. فتبرّع اللاعب البرتغالي بهبة مالية بلغت قيمتها 165 ألف دولار لتشييد مركز طبي لعلاج السرطان في مسقط رأسه في البرتغال، وهو المركز الذي تلقت فيه والدته العلاج خلال سنة 2008 حينما كانت تعاني سرطان الثدي. كما تبرع في وقت سابق بمبلغ مالي ناهز 5 ملايين يورو كدعم لضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب النيبال، وأودى بحياة ما يزيد على 2000 شخص، إلى جانب قيادته حملة للتضامن مع منكوبي نيبال لجمع التبرعات وتسليمها لمؤسسة «Save The Children» الخيرية التي يرأسها، والتي تُعنى بإنقاذ الأطفال. ولا يجب نسيان حين باع رونالدو إحدى كراته الذهبية في مزاد علني وخصص أموالها لمساعدة المرضى، إلى جانب تقديمه مساعدات لدعم الأطفال في سوريا.
وهناك العديد من اللاعبين الذين قدموا المساعدات العينية والمالية لأبناء المناطق التي خرجوا منها، وليس آخرهم الفرنسي كيليان مبابيه الذي أسس مدرسة في ضاحية العاصمة الفرنسية باريس، التي خرج منها ليصل إلى العالمية. الأمثلة كثيرة، والمبادرات أيضاً للاعبين لم يتنكّروا يوماً للبدايات.