في الوقت الذي يتساءل فيه كثيرون عن توسع حجم النفوذ الخليجي في ملاعب كرة القدم الأوروبيّة والعالميّة، نجحت مجموعة السيتي العالمية والتي يملكها منصور بن زايد آل نهيان رئيس نادي مانشستر سيتي الإنكليزي، بإضافة عضوٍ جديدٍ إلى شبكة الأندية التي تستحوذ عليها على مستوى العالم. فقد أعلنت المجموعة شراءها مع أطرافٍ أخرى نادي سيتشوان جيونيو إف.سي، المنافس في دوري الدرجة الثانية الصيني. خطوةٌ جديدةٌ إماراتية لتوسيع نفوذها على أكثر من بلد وأكثر من قارّة، وبالتالي توسيع «الإمبراطورية» الكروية التي بدأت بتشييدها. ولكن الأهداف ليست فقط رياضية.بدأت مجموعة السيتي لكرة القدم فصلاً جديداً ومهماً لها في السوق الصينيّة، والتي كانت تستهدفها منذ فترةٍ طويلة. أعرب الإماراتيون عن إيمانهم بمستقبل كرة القدم في الصين بعد أوروبا، وتعهدهم بتطوير النادي وتنمية مواهب كرة القدم الصينية. هنا يتساءل البعض، لماذا تهتم الإمارات بكرة القدم في الخارج، ولا تسعى لتطوير كرتها، خاصة بعد فشلها بالتتويج بكأس آسيا على أرضها قبل أشهر.
شكّل شراء نادي مانشستر سيتي الخطوة الأكبر للإماراتيين (أرشيف)

كانت كرة القدم الصينية قد شجعت تدفق الأموال والنجوم الأجانب بعد أن حدد الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي زار مانشستر سيتي عام 2015، طموحات تحويل أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان إلى قوة عالمية لكرة القدم. بهذه الخطوة، أضافت المجموعة الإماراتيّة نادي سيتشوان الصيني إلى الأندية الستة التي تمتلكها. فهي تملك كامل أسهم ناديي مانشستر سيتي الإنكليزي وملبورن سيتي الأسترالي، 80 في المئة من نيويورك سيتي المنافس في الدوري الأميركي للمحترفين، كما لها حصة أغلبية في نادي جيرونا الإسباني، وأخرى صغيرة (20 بالمئة) في يوكوهاما إف مارينوس الياباني، وأخيراً نادي أتلتيكو توركي من الأوروغواي.
بالنسبة إلى أي مشجع كرة قدم، فإنّ قدوم مستثمرٍ أجنبي ثري لشراء حصة كبيرة في ناديه المفضل قد يشكل له نوعاً من عدم الرضا. من السهل فهم تخوّف الجمهور من كبار المستثمرين الأجانب، وذلك لأنّ كرة القدم قد أصبحت في السنوات الأخيرة نشاطاً تجارياً بالدرجة الأولى، ووسيلة تسلية وإمتاع للجمهور بدرجةٍ أقل. فقد دخل رجال الأعمال، لا سيما الخليجيين منهم، بشكلٍ كبير إلى سوق الاستثمار في الأندية الأوروبيّة والعالميّة، كما تتنافس كبرى رؤوس الأموال العربية على شراء حصص أو ملكية كاملة لأهم الأندية. وإضافةً إلى تهافت أثرياء الخليج العربي على الأندية الإنكليزية لشرائها، فإنّ شركاتهم تتهافت بنفس الحدّة على الفوز بعقود الرعاية، كما هو شأن عقد الرعاية الضخم مع شركة طيران الإمارات والذي ينص على إطلاق اسم «الإمارات» على ملعب نادي آرسنال الإنكليزي لمدة 15 سنة، إذ أُطلق عليه هذا الاسم، إضافةً إلى وضع شعار الشركة على قمصان لاعبي الفريق لمدة ثمانية مواسم ابتداءً من موسم 2006-2007. دولة الإمارات اعتمدت استراتيجية تسويق خاصة بها ولفتت أنظار الجمهور إليها عبر استثماراتها في نادي مانشستر سيتي. حينها اشترت مجموعة «أبو ظبي المتحدة للتنمية والاستثمار» النادي الإنكليزي من مالكه السابق تاكسين شيناواترا رئيس وزراء تايلند بقيمة بلغت 200 مليون جنيه إسترليني، بعدما انحدر إلى دوري الدرجة الثالثة للمرة الأولى في تاريخه في عام 1998، قبل أن يستعيد وضعه في الدوري الممتاز بعد انتقال ملكيته إلى الإماراتيين.
تحاول الدول الخليجية توسيع نفوذها في كل دولة تدخل إليها من خلال الرياضة


الاستثمار الكبير في مختلف الدوريات تضعه العديد من الجهات في خانة السعي الخليجي وتحديداً الإماراتي ـ السعودي (الأخيرة ترغب بشراء نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي) لتلميع صورته في الغرب. إلّا أن هذه الاستثمارات دائماً ما تُثار حولها علامات استفهام، إذ إن الأندية التي تعود ملكيتها لرجال أعمال أو مؤسسات خليجية، تسقط دائماً في ملف خرق اللعب المالي النظيف في أوروبا، أو التورط في قضايا ماليّة. وهذا يؤكد أن أهداف الاستثمار ليست دائماً رياضيّة، بل هناك غايات سياسية واضحة.
منذ صفقة شركة طيران الإمارات مع نادي آرسنال عام 2004، نمت علامة الإمارات التجارية مع نموّ عدد صفقات الرعاية التي أجرتها. ففي عام 2007، وقّعت الشركة الإماراتية اتفاقاً مدته ثلاث سنوات مع نادي إي سي ميلان الإيطالي، كما أبرمت عقد رعاية مع النادي اليوناني أولمبياكوس، الذي تم توقيعه لأول مرة في عام 2008. إلا أنّ الأمر لم يقتصر فقط على عقود رعاية قمصان الأندية (وضع الشعار على القميص). ففي كانون الثاني/ يناير 2012، زار إي سي ميلان دبي للمشاركة في معسكر تدريبي شتوي برعاية الإمارات للمشاركة في تحدي دبي لكرة القدم ضد باريس سان جرمان، الذي ترعاه شركة الطيران الإماراتية أيضاً. هكذا تحاول الإمارات تعزيز روابطها مع الأندية الأجنبية، وفرض اسمها على الخريطة العالمية، وذلك عبر وضع أسماء شركاتها على قمصان الأندية التي ترعاها. تستغل دول الخليج العربي وفرة المال لديها، وهي ليست وفرةً عادية بل ثراء فاحش، لتوفير الاستقرار المالي للأندية التي تشتري حصةً فيها. ولهذا فإنّ العروض المغرية التي تقدمها الإمارات أو قطر للأندية الأوروبية غالباً ما يتم قبولها. فبفضل صناعة النفط، نُعدّ رؤوس أموال «البترودولار» الخليجي أكثر ثباتاً من رؤوس الأموال المحلية في تلك الدول، والتي غالباً ما تتأثر بفعل العوامل الاقتصادية المتقلبة التي قد تلمّ بالبلاد. وهذا ما أعطى الإمارات القدرة على أن تجري صفقات ضخمة في عالم كرة القدم، إلا أنّ الأمر لا يتعلق بحبها للعبة ورغبتها في تطويرها. فالإمارات تعمل على الاستثمار الرياضي في تلك الدول لتحظى بمكانةٍ وقوة فيها، ولتضمن وجودها في دول قد تكون شريكةً تجارية أو حليفةً عسكريةً محتملة لها، لا سيما فرنسا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية. هذه الاستراتيجية القائمة على الترويج لنفسها في تلك الدول، تهدف إلى بناء صداقات مع دول الغرب وإيجاد موطئ قدم لها فيها، إلى جانب الظهور بمظهر أكثر «تحضراً وانفتاحاً» من وجهة نظر المستثمرين، أمام الجمهور الذي يشاهد العلامات التجارية الخليجية بشكلٍ دائم لدى مشاهدته مباريات كرة القدم أو قراءة الصحف.
من جهةٍ أخرى، لا يحظى التوغل الخليجي في الكرة الأوروبية بقبولٍ عام لدى الأوروبيين، إذ ما تزال بعض الأندية ترفض الإغراءات الخليجية، مثل نادي بايرن ميونيخ الألماني، الذي سبق له أن رفض عرضاً خليجياً، معللاً قراره بأنّ «الأمر واضح، فجمهورنا لن يحب ذلك. ولنكن واضحين، نحن لا نحب ذلك أيضاً». وقد سبق لمجموعة السيتي الإماراتية أن عبرت عن هدفها امتلاك نادٍ لكرة القدم في كل قارة. إلّا أن الإماراتيين دخلوا أفريقيا مؤخراً من خلال حلفائهم السعوديين، فباع تركي آل شيخ بحسب مصادر صحافية، نادي بيراميدز إلى مستثمر إماراتي قبل أيّام، في خطوة من شأنها أن تكون مقدمة للدخول الإماراتي إلى كرة القدم الأفريقية.