تعبت نابولي من الانتظار. منذ ردح من الزمن لم تعرف هذه المدينة حلاوة الانتصار. مذ كان ذاك الفتى يصول ويجول في ملعبها "سان باولو" وباقي ملاعب إيطاليا، مذ كان "الأسطورة" الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا يزرع السحر كل ما طلّ وينثر روائعه أين ما حلّ.
الآن نابولي في أحلى حللها. قامت من ثباتها. ارتدت ثوب البطولة ومضت في مقارعة خصومها. ها هو فريقها يحمل لواء المدينة ويتنقل على طول المساحة الإيطالية بحثاً عن ذاك الزمن الأصيل، عن زمن مارادونا الجميل.
بعد انتصاف الدوري الإيطالي لهذا الموسم تقريباً، ها هو نابولي في الصدارة في مشهد لا شك في أنه يعيد الأيام الخوالي عندما كان فريق المدينة الجنوبية الفقيرة مقارنة بباقي المدن الإيطالية يتزعم كرة الطليان أيام "الولد الذهبي" في ثمانينيات القرن الماضي، ليغيب بعدها عن الصورة حتى السنوات الأخيرة بتقدمه للمراكز الأولى وعودته للمنافسة... لكن ظل لقب الـ "سكوديتو" هو الحلم للمدينة.
يتصدر نابولي ترتيب الـ "سيري أ" باحثاً عن لقبه الأول منذ أيام مارادونا

الآن نابولي بدأت تحلم. حلمها كبير بأن يواصل فريقها السير على خط الانتصارات وصولاً إلى التتويج في نهاية الموسم.
على أن من روعة الكرة ومفارقاتها أن من يقود "الحلم الجديد" هو لاعب من بلاد مارادونا ألا وهو غونزالو هيغواين الذي يقدم أفضل مواسمه على الإطلاق في الملاعب الأوروبية متصدراً لائحة هدافي الـ "سيري أ" بعشرين هدفاً كان آخرها هدفين في المباراة الأخيرة، أول من أمس، أمام ساسوولو.
هكذا فقد أعاد هيغواين رسم صور مواطنه الكبير عندما كان يحتفل مع جمهور نابولي، الهائم بعشق فريقه حد الجنون، بعد انتهاء المباريات ما حوّل أمسيات مدينة جنوب إيطاليا من جديد إلى سحر تستمده من عبق الماضي الذي نثره مارادونا في كل زوايا ملعب "سان باولو".
الا أن هيغواين ليس وحده في هذا المشهد الجميل، إذ إن نابولي يضم إحدى أقوى التشكيلات في البطولة الإيطالية تحديداً بقوته الهجومية الضاربة بوجود الرباعي الإسباني خوسيه كاييخون والسلوفاكي ماريك هامسيك ولورنزو إنسينيي فضلاً عن هيغواين طبعاً، والذين يقدمون كرة هجومية ممتعة ومنتجة (على الصعيد الإيطالي مقارنة بباقي البطولات) تتحدث عنها الأهداف الـ 41 للفريق حتى الآن.
وإضافة إلى ذلك، فإن لدفاع نابولي دوره بحيث يعد الثالث من حيث القوة حتى الآن وذلك بوجود الإسباني راوول ألبيول والجزائري فوزي غلام ومواطن الأول الحارس بيبي راينا حامياً لعرين الفريق.
مشهد مميز إذاً في نابولي ترسمه إبداعات اللاعبين على أرض الملعب، لكن لا بد هنا من الإشادة بمدرب الفريق ماوريتسيو ساري الذي فاجأ الجميع ببنائه فريقاً قوياً، وخصوصاً بعدما لقي انتقادات في بداية الموسم تحديداً من مارادونا ومقارنةً بمسيرته المتواضعة بإشرافه على فرق صغيرة في الدرجات الدنيا، لكنه تمكن من أن يثبّت قدميه في تجربته الجديدة والأهم أن يؤكد أن الرهان عليه لم يكن خاطئاً وهذا ما أجبر مارادونا على إعادة تصحيح تصاريحه السابقة بحق ساري وتوجيه الإشادة له على عمله.
نابولي الآن في عزّ الحلم. الجميع يحلم والجميع يشعر بالسعادة. سعادة وجدت طريقها حتى إلى مارادونا الذي لم يتوانَ عن الاحتفال في الجولة قبل الماضية بانتزاع الفريق القمة من إنتر ميلانو. يبقى أن يكتمل هذا الحلم في نهاية الموسم برؤية هيغواين، مرتدياً ثوب مارادونا، على منصة التتويج، ولو انه لا يمكن أبداً مقارنة الارجنتينيَين.