عرفت ملاعب كرة القدم نهضة واسعة في أواخر التسعينيات ترافقت مع استضافة لبنان لدورة الألعاب العربية عام 1997، ثم حصوله على شرف استضافة كأس آسيا 2000. لكن الألفية الجديدة لم تحمل الجديد إلى الملاعب الأساسية المنتشرة بين الشمال والجنوب مروراً بالعاصمة بيروت. ملاعب انهارت أجزاء منها، وأخرى أصيبت بالشيخوخة وأكلها الصدأ، والبعض تعاني من مشاكل جمّة ولا تستطيع استقبال المباريات، ويضاف إليها ملاعب أخرى تحوّلت إلى ثكنات عسكرية. إذاً هي أزمة لم يجد لها أحد الحل منذ زمنٍ بعيد في ظل إهمال الدولة اللبنانية أصلاً للمرافق الرياضية وعدم رصد ميزانيات كبيرة لها أو تكون كافية لتطويرها وتأهيلها وصيانتها سنوياً. وفي ظل المشاكل التي تبدو متشابهة إلى حدٍّ كبير بين الملاعب المختلفة، يبدو المتضرر الوحيد هي اللعبة الشعبية الأولى التي لا تستطيع التطوّر في ظل عدم وجود البنى التحتية الكفيلة بخلق مساحة طبيعية للاعبين من أجل ممارسة كرة القدم بصورة مثالية، فيغرقون حالياً في وحول الملاعب العشبيّة، ويتعرضون للإصابة على الأرضيات الاصطناعية، ويفرحون عندما يسافرون مع أنديتهم أو المنتخب الوطني إلى استحقاق خارجي حيث تراهم أحياناً يتلمسون بأيديهم عشب الملاعب وكأنهم يشاهدون شيئاً مبهراً للمرة الأولى. ومع ولادة الحكومة الجديدة وترقّب بارقة أمل من خلال ولادة موازية للمؤسسة العامة للمنشآت الرياضية والشبابية والكشفية، المفترض أن تُعنى بعملية إيجاد الحلول لتطوير الملاعب، تستعرض «الأخبار» وضع الملاعب التي تستضيف مباريات كرة القدم، وتحديداً دوري الدرجة الأولى، وذلك للإضاءة على الجوانب السلبية قبل الإيجابية.
المدينة «مفتوحة - مغلقة»

(عدنان الحاج علي)

يعرف كل متابع للرياضة في العالم أن الاستاد الوطني هو الملعب الرئيس في أي بلدٍ. لكن في لبنان تبدو الأمور مختلفة تماماً، إذ إن عملية حسابية بسيطة تكشف بأن ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية كان في الموسم الحالي أحد الملاعب الأقل استقبالاً للمباريات، وهي مسألة غير مفاجئة. مشاكل المدينة تحوّلت إلى قصة «إبريق الزيت» منذ سنوات طويلة، إذ لا يمرّ موسم من دون أن تقفل أبوابها أكثر من مرّة لصيانة العشب، وهي المشكلة الأساس التي ضربتها، وتراوحت بين تأثرها بالأجواء المناخية أو بجرثومة (بحسب إدارتها)، أو بمياه غير صالحة للريّ، وغيرها من الأسباب المرتبطة بنوع التربة أو البذور التي تزرع فيها.
اليوم تعاني المدينة الرياضيّة من مشاكل غير خفية على أحد، وذلك في ظل عمل إدارتها ضمن ميزانية محدودة لا تتجاوز الـ500 مليون ليرة سنوياً بحسب ما يصرّح رئيس مجلس الإدارة رياض الشيخة. وبين الماضي والحاضر تكشف جولة على المرفق الرياضي الأكبر في البلاد نوع المشاكل التي تبدأ من أرض الملعب التي لا تستطيع تحمّل عبء المباريات فهي قادرة حالياً على احتضان مباراة واحدة أسبوعياً. وبعيداً من عدم دخول أي تحسينات في قلب المدينة حيث القاعات ودورات المياه وغيرها. أصبحت المدرجات التي يأكل الغبار قسماً منها، أشبه بساحةٍ عرفت حرباً ضروساً، إذ بات عدد الكراسي الخاصة بالمشجعين محدوداً جداً بفعل الأضرار التي لحقت بها خلال أعمال شغبٍ لمشجعين كانت خسائرها بمئات الملايين. ويبدو جليّاً أن المدينة الرياضية لا تحتاج إلى صيانة بقدر ما تحتاج إلى عملية تحديث شاملة لكي تكون على صورة الملاعب المتطورة في المنطقة، وأقلّه لتكون حاضنة للفرق البيروتية المشرّدة بين ملاعب الشمال والجنوب، والتي تتكبد وجماهيرها عناء المسافات الطويلة أسبوعياً.

ملاعب «ساقطة أمنياً»

(عدنان الحاج علي)

أيضاً ضمن العاصمة هناك «ملعب تاريخي» تحوّل إلى «مَعلَمٍ أثري» بنظر الكثيرين. وهنا الحديث عن ملعب الصفاء الذي لا يستقبل حالياً مباريات في دوري الدرجة الأولى، إذ حتى فريق النادي لا يستخدمه سوى لخوض التمارين. مشكلات هذا الملعب كثيرة، وتجعله خارج التداول للمباريات المهمة، وكانت الصور التي تم تناقلها على هامش مباراة السلام زغرتا والشباب الغازية كفيلة لعكس الواقع حول الحالة السيئة التي يعاني منها بعدما كان أول مشاريع «FIFA Goal» في لبنان. أرضٌ اصطناعية استهلكت كثيراً، وغرف ملابس قديمة ولا تتمتع بالمواصفات المطلوبة، ومدرجات لم تعرف يوماً الكراسي، إضافةً إلى عدم وجود أي شروط الأمان بالنظر إلى تلاصق المدرجات والمنازل المحيطة بالملعب بأرضيته!
ملعبا العهد وأمين عبد النور في بحمدون، يعدّان من الملاعب الرديفة أيضاً، لكن تنطبق عليهما صفة «الساقطة أمنياً» بسبب طبيعتهما. الأول هو ملعب بطل الدوري، لكن حجمه الصغير لا يسمح له باستضافة مباريات كبيرة لكون «مدرجات الباطون» التي تتسع لعدد محدود جداً من المتفرجين تعلو حوالي المترين أو الثلاثة أمتار فقط عن أرضية الميدان، ما يجعل الأمر سهلاً على المشجعين للنزول إليها، وهو أمر حصل في مناسبات عدة. بطبيعة الحال، حتى منصات الكاميرات غير موجودة في ملعب العهد لكي تُنقل المباريات تلفزيونياً، وذلك بعكس ملعب بحمدون حيث الوضع أفضل، لكن هذا الملعب الذي لا يمكن تأمين سلامة المشجعين فيه سوى بخلق مدرجات في الجهة المقابلة للمنصة الرسمية. لا يتمتع بأي إنارة، ما يجعله قادراً على استضافة المباريات قبل غروب الشمس فقط.

الملعب البلدي: عودة إلى الحياة!

(عدنان الحاج علي)

ملعب بيروت البلدي هو أحد المعالم الأساسية في العاصمة، لا بل هو معلم تاريخي شهد على العصر الذهبي لكرة القدم اللبنانية حتى قبل أن يصبح استاداً بكل ما للكلمة من معنى. سنوات عدة مرّت على إقفال الملعب، وكان مهدداً في فترةٍ خلت بالهدم لمصلحة مشاريع قيل إنها إنمائية وضرورية للمنطقة. لكن فجأة ظهرت بادرة إنقاذ من محافظ بيروت القاضي زياد شبيب الذي أمر بإعادة تأهيل الملعب المنتظر أن يفتح أبوابه في 16 الشهر الجاري لاستقبال مباراة الأنصار والسلام زغرتا ضمن الدوري اللبناني. الملعب وعلى رغم أهميته بالنسبة لأهل بيروت وأنديتها التي كانت تلجأ إليه للتمارين والمباريات لم يتمّ تسمية مجلس إدارة له، بل كان القاضي شبيب قد عيّن أحمد الربعة في منصب المسؤول عن الملعب، وهو عمل تطوعي بحسب ما يؤكد الأخير في اتصالٍ مع «الأخبار». طبعاً لن يطل الملعب قريباً بالحلّة التي بدا عليها قبل 19 عاماً، لكن وبحسب المعلومات تمّ تأهيل أرضيته بالعشب الطبيعي والمفترض أن تتحسّن عند استقرار الأجواء المناخية، وهي عملية كلّفت بحسب المعلومات نحو 100 ألف دولار. كما تمّ العمل على صيانة غرف الملابس حيث بدت وكأن أحداً لم يلمسها منذ أعوامٍ طويلة، وكذا بالنسبة إلى غرفة الحكام، ودورات المياه الموجودة تحديداً تحت المنصة الرسميّة وقسم الدرجة الأولى. كما يُعمل حالياً على تغيير مقاعد البدلاء، وهناك فكرة لتأمين عمال تنظيفات يواكبون المباريات ويحرصون على بقاء مرافق الملعب نظيفة خلالها وبعدها. لكن تبقى مشكلة أساسية وهي عدم وجود موقف للسيارات مخصّص للملعب، وحتى شاحنات النقل التلفزيوني كانت تتمركز في داخله لدى تأديتها لعملها، وهي مسألة تخالف القوانين الدولية المرتبطة بسلامة المباريات.

الجنوب محور أساسي

(عدنان الحاج علي)

في ظل الصعوبات التي تعانيها أندية العاصمة لإيجاد ملاعب مناسبة لإقامة مبارياتها، تحوّل الجنوب إلى محورٍ أساسي في اللعبة، لا بسبب وجود ممثلين له في دوري الأضواء أي التضامن صور والشباب الغازية، إنما بسبب ملعب صيدا البلدي، الذي يتحمل عبء مباريات الدرجات المختلفة، إضافةً إلى تمارين فرق المدينة. وعلى رغم ظهوره بحلّة مقبولة في المواسم القريبة الماضية، أصبحت أرضية الملعب في الفترة الأخيرة تشبه كثيراً المداخل التي أكلها الصدأ جراء هواء البحر، ومنها بدأ بالانهيار ودفع مراقبي الأبواب إلى حراستها جيداً لمنع تسلل المشجعين إلى المدرجات من دون شراء بطاقات الدخول. أما الحالة في الداخل فهي صعبة أيضاً بسبب عدم تركيز عمل الصيانة الدورية سوى على الأرضية الخضراء، إذ تفيض بعض المراحيض بالمياه، وتبدو أخرى من دون تنظيف منذ أشهر، بينما تفتقد الغرفة المخصصة للتعليق إلى سقفٍ كامل وباتت مكشوفة للمشجعين في المدرج فوقها، وبات روادها عرضةً للأمطار. وفي الجنوب أيضاً، تظهر مشكلة متشابهة بين ملعبي صور البلدي وكفرجوز، وذلك لناحية مشكلة الإنارة ومساحتيهما اللتين تضايقان الفرق الزائرة وغالباً ما تعطي أفضليّة للتضامن والغازية. وإذا كانت أرضية ملعب كفرجوز أفضل من تلك التي يحتضنها ملعب صور، فإن عدم وجود مكانٍ مخصص للصحافيين هو إحدى المشاكل الأساسية، ما يجعل الصحافيين يتمركزون أحياناً على سطح المدرجات للحصول على رؤية شاملة ضمن مساحة ضيقة.

جونية تدعم الشمال

(فادي مرق)

قبل «الولادة الجديدة» لملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي في جونية، كانت الطريق إلى الشمال لا توصل سوى إلى ملعبين، الأول هو ملعب رشيد كرامي البلدي في طرابلس، والثاني مجمع زغرتا الرياضي في المرداشية. عاصمة الشمال التي شاهدت ملعبها الأولمبي مهجوراً ومنهاراً، تفتخر بأنه لديها أفضل أرضية عشبية في لبنان بفعل الصيانة الدائمة للملعب البلدي وملعب الاحتياط التي تجري عليه تمارين الفرق الطرابلسية. لكن على رغم ظهور الأرضية بصورة ممتازة في غالبية فترات الموسم، فإن الدخول والخروج إلى الملعب ليس بالسهولة المفترضة لكونه نقطة أمنية للجيش اللبناني، الذي اتخذ من أرجائه مراكز له. اختفت غرف الصحافة، ومعها أي مشروع تطويري في الملعب. وعلمت «الأخبار» من مصادر خاصة أن شركة تركية أبدت استعدادها لإنارة الملعب لكن ضمن شروط محددة منها ما يرتبط بواقعه حالياً، في وقتٍ ينتظر من بلدية طرابلس التي بلا شك تملك ميزانية كبيرة أن تبادر إلى حلّ هذه المشكلة، خصوصاً أن رئيسها هو ابن اللعبة أي نائب رئيس الاتحاد اللبناني أحمد قمر الدين. وإلى المرداشية حيث بدت الإنارة أضعف من تلك التي أضاءت الملعب في أعوامٍ سابقة.
تعاني الفرق البيروتية لإيجاد ملاعب مناسبة لإقامة مبارياتها في العاصمة

كما اشتكى لاعبون كثر من أرضية الملعب القاسية بحسب ما أفادوا، وذلك على رغم التأهيل الذي خضعت له في الموسم الماضي. عموماً يعدّ هذا الملعب «منقذاً» في مكانٍ ما لمنطقة الشمال، وقد استعان به الاتحاد لتنظيم مباريات حساسة سابقاً. ومهمة الإنقاذ أصبحت منوطة بملعب جونية أخيراً، والدليل استضافته لمباراة بين فريقين بيروتي وطرابلسي (الأنصار وطرابلس) في نهاية الأسبوع الماضي. وهذا الملعب يعدّ من النقاط المشرقة القليلة جداً ضمن أزمة الملاعب، إذ عملت إدارته وبلدية جونية وبرعاية مشروع «Forward» الذي حمله الاتحاد إليها، على عدم الاكتفاء بعملية التعشيب الاصطناعي على مستوى عالٍ، بل كانت عملية صيانة شاملة للداخل، بحيث أصبحت غرف الملابس جديدة بالكامل وتتمتع بوسائل التبريد والتدفئة. كما تمّ تأمين غرفة زجاجية جديدة للصحافة، وأعطى الموقف المؤمّن راحة لرواد الملعب الذين يعانون غالباً من هذه النقطة. وتبقى المسألة الوحيدة هي في تعزيز قوة الإنارة المقبولة عموماً حتى الآن.

ملاعب البقاع المنسية

(فادي مرق)

الحديث عن الإنارة يأخذنا إلى البقاع وتحديداً إلى ملعب النبي شيت، الذي ولد ملعبها بمبادرة من رئيس النادي الذي حمل اسم البلدة ثم المحافظة، أحمد الموسوي. وتفيد المعلومات بأن مشروع الملعب المذكور كلّف أكثر من مليون دولار، لكن اليوم وفي ظل عدم التفات أي جهة رسمية بقاعية لدعم النادي والملعب باتت الأمور مغايرة تماماً. خلال مباراة البقاع والنبي شيت في ذهاب الدوري، ارتدّت كرة داخل منطقة الجزاء من يد لاعب الضيف عمر زين الدين، لكن الحكم علي رضا لم يحتسب ركلة جزاء. أما تبريره بعد المباراة فإنه لم يرَ الكرة أصلاً بسبب سوء الإنارة، وهو الأمر الذي اشتكى منه عدد من لاعبي النجمة بعد المباراة، لا بل ذهب حسن معتوق للقول في مقابلة تلفزيونية إن أرضية الملعب كانت أشبه بأرضية الباطون لشدة قساوتها، ما أثّر في أداء فريقه الذي صعُب عليه كغالبية الفرق الكبيرة الزائرة للملعب، الفوز في المباراة، ففقد ثلاث نقاط مهمة تركت اثرها بلا شك في حظوظه على استعادة اللقب.
وأفضلية الملعب كانت حاضرة دائماً في الكلام عن عدم قبول فريق البقاع التحوّل للعب في ملعب مدينة بعلبك الرياضية الذي شيّد منذ سنوات لكنه لم يستضيف أي مباراة في الدرجة الأولى. وهذا الكلام يتناقض مع رغبة رئيس النادي الذي سعى لنقل مباريات فريقه إلى المدينة التاريخية انطلاقاً من اعتباره أن النادي هو شامل للمحافظة كلّها. لكن حتى يومنا هذا بقي الملعب منسياً وخارج الخدمة على رغم الصور الكثيرة التي تم تناقلها حوله حيث بدا جذاباً، لكن بالتأكيد ليس جاهزاً بنسبةٍ كبيرة لاحتضان المباريات لأسبابٍ عدة ترتبط باكتماله.