أراد المعلّق على مباراة لبنان والسعوديّة، ضمن الجولة الثانية من دور المجموعات ببطولة كأس آسيا، أن يكشف معلوماته عن كرة القدم اللبنانية، ويقدّمها بشكلٍ لائق إلى المستمعين خلف الشاشة الصغيرة، حتّى يُجمّل صورة الأداء. تحدّث عن المحترفين الأربعة الذين يُشاركون في المباراة، وذكر اسم باسل جرادي المستبعد أيضاً، على اعتبار أنه الأسم الأبرز، بما أنه ينشط في الدوري الكرواتي الممتاز، كما ذكر بعض اللاعبين الموجودين على أرض الملعب والذين سبق لهم الاحتراف. عاد في التاريخ ليذكر للمشاهدين أن الكرة اللبنانية خرّجت لاعبين عدّة إلى أوروبا، فذكر رضا عنتر ومعه يوسف محمد، ثم انتقل إلى موضوعٍ آخر، لا للتعليق على أحداث المباراة، أو لأن فرصةً خطرةً منعته من إكمال ما يقول، بل لأنه غالباً، لم يتذكّر اسماً ثالثاً. كأنّ حدود الاحتراف اللبناني تتوقّف عند هذين الاسمين، وينضم إليهما عادةً حسن معتوق، الذي لمع نجمه في الإمارات.بعد المباراة عينها، انتشر مقطع فيديو بثوانٍ معدودةٍ للاعب الوسط جورج فيليكس ملكي، وهو يُزاحم لاعبين سعوديين للاحتفاظ بالكرة خلال انتصاف الشوط الثاني. لقطةٌ استغلها الجمهور للدلالة على اللياقة البدنية العالية للاعب الذي شارك في المباراة الدوليّة الرابعة له بقميص المنتخب الوطني، وللإشارة إلى «قتاله» على أرض الملعب. الجمهور الذي كان مشغولاً بالتعبير عن غضبه من نتيجة المباراة والشكل الذي ظهر عليه المنتخب، وجد مساحةً للثناء على فيليكس وشقيقه روبير ألكسندر، ومعهم المدافع جوان العمري وباسل جرادي، لما قدّموه في أول جولتين من أداء جيد وروح قتاليّة عالية. البعض ذهب إلى حدّ اعتبار أنهم أكثر عطاء من باقي اللاعبين، خاصةً الذين ينشطون في الدوري المحلي، بعدما طالب بعض المشجعين باستبعاد المحترفين، نسبةً إلى عدم مشاركتهم جميعاً في التصفيات المؤهلة إلى البطولة. آخرون ذهبوا أبعد من ذلك، معتبرين أنه لولا المحترفون لخرج المنتخب خاسراً بنتيجتين كبيرتين، وأن أحد أكبر أخطاء المدرب ميودراغ رادولوفيتش، كان إخراج الشقيقين ملكي من الملعب في المباراة الأولى أمام قطر، الأمر الذي سمح بتسجيل الهدف الثاني.
اعتمد المنتخب اللبناني في السنوات الماضية على اللاعبين المحترفين


في الواقع، اعتمد المنتخب في السنوات الماضية على اللاعبين المحترفين، وعمل المدربون الثلاثة، الألماني ثيو بوكير والإيطالي جيوسيبي جيانيني والمونتنيغري ميودراغ رادولوفيتش على استقدام لاعبين من أصولٍ لبنانية، فكان أمين يونس أبرز الأسماء (لعب للمنتخب الألماني)، ومعه طارق الريش وباسل جرادي وعباس حسن ونادر مطر ومحمد علي خان وسوني سعد وجوان العمري وجيرونيمو أميوني وغيرهم، حتى بات المنتخب قوامه اللاعبون المحترفون. هذه الخطوة جاءت بعدما لم يجد المدربون ضالّتهم في الملاعب اللبنانية، ولمحاولتهم نقل الاحتراف إلى باقي اللاعبين المحليين.
وقبل انطلاق الموسم الماضي، كانت فكرة الاعتماد على المحترفين لا تزال قائمة، لكن مع توافد بعضهم إلى الأندية اللبنانية، وعلى رأسهم كابتن المنتخب حسن معتوق، تغيّر هذا الوضع، حتى لُعبت بعض المباريات بحضور لاعبٍ واحدٍ محترفٍ في الخارج.
صحيحٌ أنه لا يُمكن حصر نتائج المنتخب السلبية بسبب قلّة وجود محترفين، لكن بتحليلٍ لمضمون تصاريح المدرب رادولوفيتش، عن فارق الإمكانيات وعدم تعوّد اللاعبين على خوض مباريات عدة في وقتٍ قصير، وقلّة الجاهزية البدنية ومشكلات الملاعب، يُمكن الخروج بخلاصة أن علو كعب المحترفين، حتّى الذين ينشطون في الدوري المحلّي حالياً وسبق لهم الاحتراف، على نظرائهم المحليين، على صعيد اللياقة خاصة، وصولاً إلى الإمكانيات، وحتّى حياتهم خارج الملعب، تأتي إما بسبب النشأة في الأندية المحترفة، أو للانتقال من دوري الهواة إلى دوري المحترفين، حيث الانضباط والمراقبة والمسؤولية. في الواقع، مستوى اللاعبين الذين سبق لهم الاحتراف وعادوا إلى لبنان، هبط، وهذا أمرٌ ملحوظ، ذلك لأسبابٍ لوجستية تتعلّق بمستوى الدوري بشكلٍ عام ومشكلات الملاعب، وأخرى فنيّة في الأندية، وحتّى انضباطية أو نفسية.


يُمكن ربط نتائج المنتخبين السوري والفلسطيني في الآونة الأخيرة، باستثناء المشاركة في البطولة الآسيوية، بوفرة اللاعبين المحترفين في صفوف المنتخبين. انتقال اللاعبين السوريين والفلسطينيين إلى الدوري اللبناني، ما هو إلا إشارة إلى أن الدوري في هذين البلدين ليس أفضل من نظيره في لبنان، خاصةً في ظل الاحتلال الصهيوني في فلسطين وما تُعانيه الرياضة هناك، والحرب في سوريا، لكن على الرغم من ذلك، يحقق المنتخبان، خاصة السوري، نتائج لافتة (ما شاهدناه في تصفيات كأس العالم الأخيرة). هكذا، بدلاً من الاعتماد على اللاعبين المحليين في دوريٍ هاوٍ، كان الاتجاه إلى استقدام المحترفين والاستفادة منهم.
في وقتٍ كان الاحتراف بوصلة اللاعبين اللبنانيين، ساهمت الأندية المحلية بعودتهم، أو منعهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من الاحتراف، بسبب تقديمهم ما لم يجدوه سابقاً، وهو المال، الذي بدوره يوفّر الاستقرار بين العائلة والأصدقاء. إلا أن الأموال، على الرغم من كونها أحد الأسباب الأساسية الدافعة إلى الاحتراف أساساً، لا يمكن أن تُصبح السبب الوحيد، بل على اللاعب اللبناني أن يسعى إلى الانتقال من دوري الهواة إلى الاحتراف، الأمر الذي يُساعده في الدرجة الأولى، وينعكس بشكلٍ إيجابي على المنتخب، فالكرة اللبنانية بشكلٍ عام، حتى تصل اللعبة إلى مرحلةٍ تكبر فيها لائحة الأسماء التي يستطيع معلّق المباراة أن يذكرها حين يتحدّث عمّا قدّمته الكرة اللبنانية.