قبل أكثر من أربع سنوات كان المنتخب اللبناني يمرّ بحالة تحضيرٍ استثنائية. للمرة الأولى تواجد من يعمل على قاعدة الهرم لا رأسه. فالمدرب السابق الإيطالي جيوسيبي جيانيني، على رغم أنه كان الأقرب إلى تحقيق إنجازٍ تاريخي لكرة القدم اللبنانية بالتّأهل إلى نهائيات كأس آسيا، لكنّه فشل، وبعد الإخفاق مع المنتخب الأول، أراد العمل من حيث يجب أن تعمل لجنة المنتخبات ومعها الاتحاد اللبناني لكرة القدم، أي من الفئات العمريّة. لم يدم مشوار «أمير روما» طويلاً، فأُقيل من منصبه بعد ثمانية أشهرٍ على الإخفاق الآسيوي، خلال فترة التحضير للاستحقاقات المقبلة، وجاءت الإقالة بسبب النتائج والأعباء المادية للمدرب وجهازه الفني، فُعيّن المونتنيغري ميودراغ رادولوفيتش خلفاً له قبل شهرٍ واحدٍ على انطلاق التصفيات المزدوجة المؤهلة إلى كأس العالم 2018 وكأس آسيا 2019.خلال تلك الأشهر الثمانية، قاد جيانيني المنتخب في ثلاث مبارياتٍ ودية، واحدةٌ منها كانت أمام المنتخب السعودي، واستطاع فرض التعادل على أرضه في افتتاح ملعب «الجوهرة»، حيث كان يخوض اللقاء بتشكيلةٍ من الشباب المدعومين ببعض عناصر الخبرة، في حين دخل «الأخضر» اللقاء بعددٍ من نجوم الصفّ الأول، ومنهم من المستدعيين إلى بطولة كأس آسيا، كيحيى الشهري، سالم الدوسري، ناصر الشمراني وفهد المولّد، إلى جانب تيسير الجاسم ونواف العابد وتيسير جابر ونايف هزازي ومختار فلاتة وغيرهم من نجوم الخليج، الذين لم ينجحوا بالتفوّق على منتخب لبنان في آخر لقاءٍ معه.
الليلة، يلتقي المنتخبان اللبناني والسعودي مجدداً (الساعة 18:00 بتوقيت بيروت)، ولكن بين ذاك التاريخ وهذا، تغيّر الكثير، وأغلب العناصر الشابة لم يستمر العمل معها ومعظم الأسماء تغيّرت. رادولوفيتش سيحاول أن يفرض التعادل مجدداً على المنتخب العائد من مشاركةٍ مونديالية، أو أن يُحقق مفاجأةً ليست غريبةً على البطولة الآسيوية في نسختها الحالية. تنطلق مباراة الليلة على ملعب آل مكتوم في دبي. هي المباراة شبه الحاسمة بالنسبة إلى منتخب لبنان، فمباريات المجموعات الخمس الأخرى لها دورها، والنتائج المُفاجئة التي تحققت غيّرت المعادلات. سيرضى الجمهور اللبناني اليوم بنتيجةٍ إيجابية لمنتخبه، وسلبية بالمصطلح العام (0-0). فالهدف هو عدم الخسارة، وتعزيز الحظوظ بالتأهّل قبل الجولة الأخيرة من دور المجموعات بمواجهة كوريا الشمالية (المباراة الأسهل للبنان على الورق).

لا تغييرات كبيرة متوقّعة
ليس متوقّعاً أن يُغيّر المدرب رادولوفيتش في الرسم التكتيكي أو خطة اللعب أمام المنتخب السعودي. الدفاع أولاً، حتى إيجاد الثغرة واستغلالها لتسجيل هدف السبق، ومن بعدها الدفاع ثم الدفاع ثم الدفاع. كان هذا الأمر لينجح أمام المنتخب القطري لو لم يلغ الحكم الهدف الذي سجّله علي حمام في الشوط الأول، ويحتسب من بعدها خطأً غير موجودٍ سُجّل عبره الهدف الأول في المباراة.
التغيير الوحيد قد يكون على صعيد الأسماء، خصوصاً في الخط الهجومي، إذ من الممكن أن يُشارك أحد لاعبي الوسط كنادر مطر على الجهة اليمنى، وذلك للحصول على مساندةٍ دفاعيةٍ أكبر، والإبقاء على لاعبٍ قادرٍ على قيادة الهجمات المرتدة والتنسيق مع زميله على الجهة المقابلة، حسن معتوق، ومعه هلال الحلوة أو باسل جرادي. المنتخب السعودي من جهته، يختلف في طريقة اللعب عن نظيره القطري. هو يعتمد على خط الوسط بشكلٍ كبير، ودور هيثم فاعور وفليكيس ومعهم الطرفان سيكون مُهماً في تضييق المساحات والضغط على مستلمي الكرة، وهو ما نجحا فيه في اللقاء الأوّل، وقد يكون مهماً تقدّم أحد لاعبي قلب الدفاع، على اعتبار أن الخصم لا يملك المهاجمين، ويلعب على الأرض، لكنّه سيكون مضطراً من بعدها إلى لعب الكرات الطويلة التي يتفوّق فيها الدفاع اللبناني.
هجومياً، قد يتمكّن لاعبو منتخب لبنان من استغلال الكرات الثابتة وتسجيل هدف السبق، أو إزعاج المدافعين بالهجمات المرتدة، لكن مهمته لن تكون أكثر سهولة من المباراة الماضية، فمدرب المنتخب السعودي، الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي، يعتمد بدوره على لاعبيَ ارتكاز أمام أربعة مدافعين. غياب الظهير الأيسر ياسر الشهراني بسبب الإصابة التي تعرّض لها أمام كوريا، سيسهّل المهمة أكثر أمام المهاجمين اللبنانيين على الطرف الأيمن، حيث تركّزت أغلب الهجمات في المباراة الماضية.

غياب صانع الألعاب
على رغم قلّتها، قاد لاعبو المنتخب اللبناني هجماتٍ مرتدةً أمام قطر في الجولة الأولى، إلا أنّهم لم يستفيدوا من أيٍّ منها، وذلك لأن الهجمات تمحورت حول ثلاثة لاعبين فقط، هم جرادي، معتوق والحلوة، من دون مساندةٍ فعليةٍ من خط الوسط أو الظهيرين، فتوقّفت معظمها أمام الدفاع القطري، في حين حاول اللبنانيون الحصول على ركلاتٍ ثابتةٍ من خلالها. قلّة مشاركة هيثم فاعور وفيليكس ملكي في الهجمات المرتدة يأتي بسبب خطة اللعب المرسومة من المدرب، فاللاعبان قادا خط الوسط إلى الضغط على القطريين وعدم السماح لهم بالوصول إلى الدفاع إلاّ عبر التمريرات الطويلة للمهاجمين. غياب صانع الألعاب المتكرر حتّى في المباريات الوديّة، على أساس أن الرسم التكتيكي المعتمد في هذه المباريات سيُعتمد هو عينه في البطولة الآسيوية، أثّر في الفاعلية الهجومية للمنتخب، ما ساعد في عدم تسجيل أي هدف في ست مبارياتٍ متتالية. إلا أن هذه المُشكلة، إذا كانت مُشكلة فعلاً، حلّها موجود، على عكس مشكلة المهاجم الصريح، فمركز صانع الألعاب يشغله عددٌ من اللاعبين المتواجدين في المنتخب، كباسل جرادي، الذي يشغل مركزي الجناح ورأس الحربة تحت قيادة رادولوفيتش، ومعه متوسّط ميدان العهد محمد حيدر، ولاعب النجمة نادر مطر.
قد يتمكّن لاعبو منتخب لبنان من استغلال الكرات الثابتة وتسجيل هدف السبق أو إزعاج المدافعين بالهجمات المرتدة


قد يكون من الصعب اعتماد صانع الألعاب في مباراة السعودية، إذ إن الخصم أقوى من نظيره القطري، والنتيجة الإيجابية باتت ضروريّة، والتعادل السلبي كافٍ لتعزيز الحظوظ بالتّأهّل إلى الدور الثاني، ولكن في حال أراد الجهاز الفني تحقيق الفوز الأول في البطولة بمواجهة كوريا الشمالية، فحضور صانع الألعاب بات ضرورياً، حتى ولو بقيت الخطّة دفاعية، وذلك يحصل فقط إذا تم الاعتماد على أربعة لاعبين في الخط الخلفي.



تاريخ المواجهات
تاريخياً، تغلّب المنتخب اللبناني على نظيره السعودي في أربع مناسبات، وخسر أمامه أيضاً في أربع مباريات، فيما تعادل المنتخبان في مواجهتين. النتائج التاريخية بين لبنان والسعودية متساوية، ولكن تبقى الأفضلية لمصلحة المنتخب اللبناني، إذ إنه كان قد حقق فوزاً كبيراً على المنتخب السعودي في أول لقاء جمع المنتخبين بنتيجة (7ـ1) وهي النتيجة الأكبر في تاريخ المواجهات السعودية اللبنانية على مستوى كرة القدم. ربما هي لغة الأرقام التي لا تعترف بها المباراة المقبلة، ولكن يبقى هذا الأمر حافزاً معنوياً لمصلحة المنتخب اللبناني ولاعبيه في مباراته الأهم في بطولة آسيا 2019. المنتخب اللبناني يمتلك العناصر القادرة على تحقيق المفاجأة، وكذلك المنتخب السعودي شارك في مونديال روسيا ويمتلك أسماء كبيرة. لغة الأرقام ستبقى على الورق، وعلى لسان المحللين على الشاشات حتى موعد المباراة، التي سيكتب بها اللاعبون النتيجة الحقيقية على أرض الميدان.