في ولاية غازني الواقعة شرق أفغانستان، هناك طفل شغوف بكرة القدم، يبلغ الخامسة من عمره. لطالما لاعب مرتضى أحمدي الكرة بحذائه الكبير، محاولاً تقليد لاعبه المفضل، الأرجنتيني ليونيل ميسي. تمنّى الطفل الأفغاني شراء قميصٍ لنجمه الأرجنتيني، إلا أنّ ظروف العائلة الصعبة لم تسمح بذلك، فلم يجد حلّاً إلا ارتداء «كيس بلاستيكي» كتب اسم ميسي عليه. انتشار صورة الطفل «الضحوك» على مواقع التواصل الاجتماعي مرتدياً الـ«كيس البلاستيكي» لقي اهتماماً كبيراً، ليتحول حلمه إلى حقيقة بالسفر لمقابلة ميسي والحصول على قميص موقَّع منه. لم يمضِ عامان حتى تحوّل الحلم إلى كابوس، حين تلقت عائلته تهديدات من حركة طالبان، ليهربوا مشرَّدين دون أمتعتهم، تاركين خلفهم أغلى ما يملك مرتضى.منذ أكثر من عشرين عاماً، لم يتوقف مسلسل الدم الذي بدأته حركة طالبان في أفغانستان. عائلة مرتضى ظنّت أنها في منأى إلى حد كبير من النزاع القائم في البلاد لعدم وجود اعتداءات متكررة في منطقة سكنها، إلا أنّها وجدت نفسها في غرفة مستأجرة في العاصمة كابول، في ظروف سيئة جداً. تواجه العائلة مصيراً مجهولاً، في ظل صعوبة تعانيها في توفير الطعام والتدفئة في البرد القارس، حالها كحال آلاف الأفغان الذين تحولوا إلى لاجئي حرب. لم تكن عائلة مرتضى الوحيدة المتضررة من هجوم طالبان، إذ عاشت أربعة آلاف عائلة أخرى حالة النزوح والتشرد رعباً من مشاهد موت مئات المدنيين والجنود في المعارك. وتنتمي عائلة أحمدي إلى الهزارة، وهي أقلية عرقيّة ينتمي معظم أفرادها إلى الطائفة الشيعية في أفغانستان، وكانت مستهدفةً بهجوم طالبان. وما زاد من مخاوف العائلة، هو ما تناهى إلى مسامعها من أنّ حركة طالبان تبحث عن مرتضى بالاسم. وقالت شفيقة، والدة مرتضى في حديثٍ إلى وكالة الأنباء الفرنسية: «قالوا إنهم إذا اعتقلوه، فسيقطعونه إرباً إرباً». وأشارت إلى أنها أخفت وجه طفلها بوشاح أثناء الفرار من مقاطعة جاغوري، خوفاً من أن تُكتشف هويته. ورغم أنّ القوات الأفغانية تمكنت من ردّ هجوم طالبان في نهاية المطاف، إلا أنّ العائلة لا تشعر بأمان كافٍ للعودة. وتوضح شفيقة أنّ «خطر عودة طالبان مرتفع جداً، العودة (إلى جاغوري) ليست خياراً مطروحاً». النعمة التي حظي بها مرتضى تحولت إلى نقمة، إذ إنّه بات محط حسدٍ في البلاد بعد تحقيق حلمه بلقاء ميسي. وأشارت والدته إلى أنّ «بعض النافذين كانوا يتصلون ويقولون: لقد أصبحتم أثرياء، ادفعوا المال الذي حصلتم عليه من ميسي، وإلا فسنأخذ ابنكم». وتتابع: «في الليل، كنا أحياناً نلحظ وجود رجال لا نعرفهم، يراقبون منزلنا، ولاحقاً تأتي الاتصالات. لم نكن نجرؤ على السماح له باللعب خارج المنزل مع الأطفال الآخرين». هكذا، خشيت العائلة من اختطاف مرتضى، فأبقته في المنزل بشكلٍ دائم ولم ترسله إلى المدرسة لمدة عامين. ولكن حتى بعد فرارهم إلى كابول التي تبعد أكثر من 200 كلم عن غازني، لا يشعر أفراد عائلة مرتضى بالأمان، خوفاً ممّا قد يتعرض له مرتضى في حال معرفة طالبان بهويته. وهي ليست المرة الأولى التي تقاسي فيها العائلة معاناة الفرار، إذ انتقلت إلى باكستان عام 2016 وطلبت اللجوء إلى «أي بلد آمن». إلا أنّه بعد نفاد المال الذي كان بحوزتهم، لم تجد العائلة بدّاً سوى العودة إلى جاغوري بعدما قوبل طلبهم بالرفض. مرتضى الذي بلغ السابعة من عمره، لا يفقه شيئاً من النزاع الدموي القائم في بلاده. لا يهمه سوى كرته وقميصه. إلا أنّه تركهما خلفه حين اضطرت عائلته إلى مغادرة المنزل بسرعة في جنح الظلام بعد سماع دوي الاشتباكات. يشتاق مرتضى إلى اللعب بالكرة، ويشتاق إلى ميسي. يريد أن يكون إلى جانبه، كما يريد أن يساعده بالخروج من بلاده. يقول مرتضى: «عندما أقابله، سأقول له: سلام، وسأسأله عن حاله، وسأذهب معه إلى الملعب حيث سأجلس لمشاهدته. عندما أكبر، أريد أن أصبح أنا أيضاً ميسي». ولكن لا يبدو أنّ طالبان ستسمح لحلم الصغير بأن يتحقق، بعدما حولت ملعب كرة القدم في كابول إلى مكان لتنفيذ أحكامها بالرجم والإعدام.