عاد موسم كرة السلّة اللبنانيّة، وعادت معه صورة المواسم الماضِية. قبل سنوات كان «دربي» كرة السلّة اللبنانيّة بين الرياضي ـ بيروت، والحكمة ـ بيروت. خلال الموسمين الماضيين تغيّرت الصورة، مع صعود نادي هومنتمن، وخفوت نجم نادي الحكمة نتيجة الظروف الماليّة الصعبة، أصبح لقاء الرياضي وهومنتمن هو المنتظر، ولكن في كل مرّة، تخرج المباراة عن إطارها الرياضي، وتتحوّل إلى ما يشبه ساحة حرب.انطلق قطار الموسم السلّوي في لبنان، وكما في كلّ عام كانت البداية قبل أسبوعين مع كأس السوبر بين الرياضي وهومنتمن. تكرر اللقاء أيضاً في نصف نهائي بطولة حسام الدين الحريري على ملعب المنارة يوم الأحد الماضي. خلال المباراة الثانية، تصدّرت كرة السلة المشهد على الساحة المحليّة. صراعات الموسم الماضي بين الرياضي وغريمه هومنتمن، حضرت بزخم أقوى هذا الموسم أيضاً. المشاهد نفسها تتكرر، أعلام حزبيّة يرفعها الجمهور، شتائم، هتافات سياسيّة ومذهبيّة على المدرجات، وعبوة مياه «طارت» من المدرّج إلى أرض الملعب، لتنتهي معها المباراة بانسحاب هومنتمن. ما حدث ليس جديداً على من يتابع كرة السلّة اللبنانيّة، فهو حدث كثيراً الموسم الماضي، وحتى في المواسم التي سبقته بين أندية أخرى. جماهير هومنتمن لجأت العام الماضي للضغط على لاعبي الرياضي من خلال رفع الأعلام، وإطلاق الشتائم والهتافات «غير الرياضيّة» في ملعب مزهر، وكذلك فعلت جماهير الرياضي في ملعب المنارة، العداوة بين الفريقين والجمهورين باتت كبيرة. انتهت دورة الحريري بأقل الأضرار الممكنة. الرياضي توّج بلقب البطولة، بعد مباراة كبيرة أمام نادي الرادسي المدجج بأفضل لاعبي منتخب تونس، بطل أمم أفريقيا الصيف الماضي. ولكن المفارقة كانت أن المدرجات امتلأت خلال مباراة هومنتمن، فيما لم تكن كذلك في النهائي أمام الرادسي.
الجميع يعرف أن بطولة حسام الدين الحريري ينظّمها نادي الفدا صيدا، ويحضر خلال المباريات جمهوران وليس جمهور واحد، ولكن ما حصل في مباراة هومنتمن كان استثناء، فحضر جمهور صاحب الملعب فقط، كون المباراة لا تتحمل حضور جمهورين، وإلّا فلا أحد سيكون قادراً على ضبط المشجعّين، واحتمالات حصول إشكالات تبقى مرتفعة، خاصّة أن قاعة صائب سلام في المنارة، تختلف عن مجمع نهاد نوفل في ذوق مكايل، من حيث المساحة، وإمكانيّة إبعاد الجماهير عن بعضها البعض.
منذ بداية اللقاء ظهرت الأعلام الحزبيّة، وأُطلقت الشتائم والشعارات السياسيّة، ولكن ما فاقم الأمور هو عبوة المياه التي أطلقت على دكّة بدلاء نادي هومنتمن. انسحب نادي هومنتمن وانتهت المباراة، ولكن الإشكال تحوّل إلى تدافع وتضارب بين جماهير نادي الرياضي والقوى الأمنيّة التي كانت موجودة في الملعب، وهو ما تمّ تناقله على وسائل التواصل الاجتماعي. حتى أن حساسية كبيرة ظهرت بين الإدارتين، ونتج عنها تراشق كلامي على الإعلام.
قررت اللجنة الإدارية لدورة الحريري عدم دعوة الهومنتمن مستقبلاً


انتهى اللقاء، وخرجت الجماهير من الملعب، ولكن لم تنته الأمور عند هذا الحد. صباح الاثنين عقدت إدارة نادي الرياضي اجتماعاً بحثت خلاله الأحداث التي شهدها لقاء هومنتمن، كما اتخذت مجموعة إجراءات، لمحاولة الحد من أعمال الشغب وتصرفات الجمهور «المخالفة للقوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء». ووصلت الأمور الموسم الماضي إلى درجة أن لاعب الرياضي الموسم الماضي علي حيدر (انتقل إلى بيروت)، وجّه انتقادات إلى جماهير ناديه نتيجة أحداث مماثلة خلال مباراة هومنتمن أيضاً على ملعب المنارة. وأكّدت مصادر سلّوية أن إدارة نادي الرياضي ستعقد اجتماعات أخرى للبحث في موضوع الجمهور، ووضع قوانين واضحة للحد من المشاكل، والأمور غير الرياضية على المدرجات.
من جهتها قررت اللجنة الإدارية لدورة حسام الدين الحريري، بعد اجتماع عقدته بداية الأسبوع، عدم دعوة نادي هومنتمن للمشاركة في النسخة المقبلة من الدورة، وذلك بعد إعلان انسحابه من البطولة وعدم مراعاته لنظامها الداخلي. رفض إدارة الرياضي لأي تجاوزات، تقابله إدارة هومنتمن بالأمر نفسه، وهي حاولت مع الاتحاد اللبناني للعبة إنهاء السلسلة النهائية للموسم الماضي بأقل الخسائر الممكنة، ولكن ما يحصل بين الجمهورين والفريقين ليس «رمانة، بل قلوب مليانة». (في الموسم الماضي رفعت جماهير الرياضي أعلام تركيا بوجه لاعبي هومنتمن لتذكيرهم بالإبادة الأرمنية وهو الأمر الذي لاقى ردود فعل غاضبة ومستنكرة، كما رفعت جماهير هومنتمن بالونات التشجيع على شكل صلبان بوجه جماهير الرياضي على مدرجات نهاد نوفل).
انتهى اللقاء، وأغلقت صفحة بطولة الحريري، وكأس السوبر، ولكن الدوري طويل، وسيشهد مواجهات بين الرياضي وهومنتمن سواء في الدوري أو الكأس. ما ينتظره عشّاق اللعبة هو عدم حصول مثل هذه الأمور على المدرجات من جديد، لكي يُستكمل الموسم بالصورة المثاليّة. لا مباريات قويّة هذا الموسم بالمعنى الجماهيري للعبة. هناك مباريات منتظرة كمباراة الرياضي مع نادي بيروت، أو لقاء الرياضي مع الشانفيل، ومباراة الشانفيل وبيروت، كذلك مباريات هذه الأندية الثلاثة مع نادي هومنتمن، بدون أن ننسى لقاءات الشانفيل وبيروت والرياضي وهومنتمن مع نادي الحكمة (الجريح). هناك مواجهات حساسة، وكما تسمّى في الرياضة مواجهات خاصّة، ولكن كل هذه اللقاءات والمواجهات تبقى في إطارها الرياضي. صحيح أن الجماهير تخرج عن النص في بعض الأوقات، ولكن تبقى الأمور دائماً «تحت السيطرة»، والأكيد أن الجميع يدرك خصوصيّة الجماهير، ويتقبل خروجها عن النص في بعض اللحظات الحساسة، فالجماهير هي كذلك، تساند فريقها وتتعصّب له، ولكن الأهم أن الأمور تبقى في إطارها الضيّق، ولا تتحوّل إلى شغب. المباراة الوحيدة التي سيتمّ التعامل معها بخصوصيّة كبيرة ستكون مباراة هومنتمن والرياضي، ولكن يبقى الرهان على ما بدأت الإدارات بالعمل عليه، لضبط الجماهير، وإبقاء الأمور بإطارها الرياضي، خاصة أنّ تجارب السنوات الماضية لا تشجّع ولا تصب في مصلحة اللعبة. المستوى الفني والمنافسة بين اللاعبين تنعكس إيجاباً على اللعبة، أمّا المشاكل الجماهيريّة تنعكس سلباً على اللعبة والأندية على حدّ سواء. ويبدو أنها باقية، وأن ثمة من يحب أنها صارت جزءاً من اللعبة. وفي محاولة من محاولاته، اتّخذ الاتحاد اللبناني لكرة السلّة إجراءات جديدة هذا الموسم للحد من أعمال الشغب على المدرجات. وأكدت مصادر سلّوية أنه سيتم اتخاذ إجراءات صارمة بحق الأندية التي تقوم جماهيرها بافتعال أحداث الشغب على المدرّجات، أو بالاعتداء على لاعبي الأندية الأخرى. ومن المتوقع أن تشهد بعض المباريات خاصة في كأس لبنان حضور جمهورين، إذا ما كانت ستُلعب على أرضية ملعب نهاد نوفل في ذوق مكايل. وطالب العديد من الجهات بأن يكون هناك عناصر أمنية كافية في كل مباراة للحد من التجاوزات التي يمكن أن تحصل.