أثار التعميم رقم 50/2018 الصادر عن الاتحاد اللبناني لكرة القدم بتاريخ 9 تشرين الأول الجاري الاستغراب حول العقوبات التي اتخذتها لجنة الانضباط بحق ناديي الإخاء الأهلي عاليه والنجمة عقب مباراتهما ضمن الأسبوع الثالث من الدوري اللبناني. فهذه المباراة شهدت الكثير من الأحداث داخل الملعب وخارجه، إذ كان يُتوقع أن تكون عقوبات لجنة الانضباط على مستوى الأحداث. لكن قرارات اللجنة اقتصرت على عقوبات مالية بقيمة مليون ليرة بحق نادي النجمة و500 ألف ليرة بحق نادي الإخاء الأهلي عاليه سنداً للمادة 1-22 من نظام العقوبات في الاتحاد. ثمة حلقة مفقودة. هي ليست المرة الأولى التي تتخذ لجنة الانضباط قرارات ليست كما المتوقع. فمن غير الطبيعي أن تكون عقوبات أحداث مباراة النجمة والإخاء الأهلي عاليه مليون ونصف مليون ليرة فقط. شتائم وملاحقات وكمائن وقطع طرقات وتكون العقوبات مليون ونصف مليون ليرة؟ يقول أحد المتابعين معلّقاً: «يا بلاش»!في أي حال، هذه القرارات تفتح الباب على عدة أسئلة. ما هو عمل لجنة الانضباط في الاتحاد؟ كيف هي آلية عملها؟ على أي أساس تتخذ قراراتها؟
لجنة الانضباط في الاتحاد اللبناني لكرة القدم هي لجنة مستقلة أساس عملها هو تطبيق قوانين نظام العقوبات. وهي مؤلفة من عدة أشخاص بعيدين عن الوسط الكروي باستثناء عضو اللجنة حسن هاشم ويرأسها المحامي أسعد سعيد إلى جانب محاميين إثنين والإداري في اللجنة الأولمبية اللبنانية جهاد هاشم. القصد من تشكيل لجنة معظم أعضائها من المحامين ومن خارج الوسط الكروي نابع من أن عملها قانوني صرف وهي تتخذ عقوباتها بناءً لنص قانوني. تجتمع اللجنة كل إثنين قراراتها كل إثنين عقب اجتماع تتم فيه دراسة التقارير الواردة من مراقبي المباريات ومراقبي الحكّام. إذاً عمل اللجنة قائم على ما يردها من تقارير المراقبين، التي هي محصورة بما يحصل داخل الملعب. وعليه، فإن عقوبات أحداث مباراة الإخاء الأهلي عاليه والنجمة، على سبيل المثال، قد اقتصرت على مبلغ مليون ونصف مليون ليرة كون الأحداث التي حصلت داخل الملعب لم تتجاوز الشتم ورمي العبوات البلاستيكية الفارغة. أما القرارات الواجب اتخاذها لما جرى خارج الملعب فمن مسؤولية اللجنة التنفيذية للاتحاد وكذلك القوى الأمنية.
لا يمكن نقض قرار لجنة الانضباط إلا عبر لجنة الاستئناف


وتبدو صلاحيات لجنة الانضباط محدودة حيث أن أي قرار خارج نظام العقوبات يجب أن يصدر عن اللجنة التنفيذية للاتحاد. فقرار بمنع الجمهور عن مباراة ما أو استبعاد ملعب معيّن لا يمكن أن يصدر بقرار عن لجنة الانضباط. فهذا من صلاحيات اللجنة التنفيذية. لكن ما هو إيجابي أن قرارات لجنة الانضباط ملزمة للجنة التنفيذية للاتحاد ولا يمكن نقضها إلا عبر تقديم طعن إلى لجنة أخرى، أيضاً مستقلة عن اللجنة التنفيذية وقراراتها ملزمة أيضاً، وهي لجنة الاستئناف. فأي طعن يجب أن يقدم إلى هذه اللجنة وهي من تحدد إذا ما كان الطعن مقبولاً أو مرفوضاً. فإذا قُبل الطعن يصبح قرار لجنة الانضباط لاغياً. أما إذا رُفض فيصبح لزاماً على الطرف المتضرر تنفيذ القرار. كل هذا من دون تدخّل من اللجنة التنفيذية، التي تملك في مكان آخر حق اتخاذ العقوبات الكبيرة التي هي خارج صلاحيات اللجان الأخرى وغير مذكورة في نظام العقوبات.
ويعتبر رئيس اللجنة المحامي أسعد سعيد في اتصال مع «الأخبار» أنه في إطار ما يتيحه القانون والنظام فإن عمل اللجنة يتمتع بكثير من الاستقلالية في حدود صلاحياتها. أما في ما يتعلّق بالقرارات التي هي من صلاحيات اللجنة التنفيذية فغالباً ما يكون للجنة الانضباط توصيات في القضية.
لكن من أين تأتي قيمة العقوبات المالية وعلى أي أساس يتم تحديد المبلغ المفروض على أي نادٍ؟ المادة 1-22 من نظام العقوبات مجدداً. وهي المادة التي تنص على إنزال عقوبات مالية بحق الأندية المخالفة وهي تتراوح بين عشر وحدات ومئة وحدة. وكانت اللجنة العليا للاتحاد قد قررت قبل أكثر من عشر سنوات على تحديد قيمة الوحدة بخمسين ألف ليرة. وعليه، يتم فرض العقوبة المالية بناءً على الوحدات المحددة. أما كيفية تقييم حجم المخالفة فهو يعود إلى أعضاء لجنة الانضباط الذين يقررون حجمها بناءً على التقارير. هذه العقوبات المالية من المفترض أنها تذهب إلى صندوق الاتحاد. ومن هنا غالباً ما يتم اتهامه بأنه يفرض عقوبات بهدف تغذية الصندوق. لكن ما هو مفاجئ أن سبعين في المئة من تلك العقوبات تبقى حبراً على ورق أو بما يصنف كديون على الأندية وفي ذممها المالية. إذ إن ما يقارب الثلاثين في المئة كحدٍ أقصى يتم تحصيلها. وليس بالدفع المباشر بل من حسم قيمة العقوبات من مستحقات للأندية في نهاية الموسم. فموسم 2017-2018 انتهى مع وجود ما يقارب الـ185 مليون ليرة كديون على الأندية من عقوبات مفروضة عليها. لكن هذا النظام يُقلل من قيمة العقوبات طالما أن معظمها يتم ترحيله، ولو كان هناك قرار بإلزام كل نادٍ على تسديد عقوبته قبل خوضه المباراة التالية لكان للعقوبات المفروضة قدرة ردعية أكبر لمنع التجاوزات في الملاعب. أضف إلى ذلك أن قيمة الوحدة قبل أكثر من عشر سنوات كانت أكبر من قيمتها الحالية، وعلى رغم ذلك تجد العقوبات مؤجلة من موسم إلى آخر من دون القدرة على تسديدها.