«ستتعرّض للإقالة في الصّباح»، هكذا هتفت جماهير توتنهام في ملعب أولد ترافورد مساء أول من أمس. الجماهير التي لم يُسمَع صوتها طوال أربعة مواسم سابقة في هذا الملعب، بعد أن فشل فريقها بالتّسجيل في أيٍّ من المباريات الأربع السّابقة، ملأ صوتها الملعب بعد رؤية فريقها «يُذل» مانشستر يونايتد بثلاثة أهداف دون ردّ على أرضه. أصوات جماهير سبيرز العالية قوبلت بالصّمت التّام من أنصار الشّياطين الحمر، الّتي باتت رغبتها الأولى ربّما في طرد «سبيشيل وان» خارج قلعة مسرح الأحلام، حيث بات من الصّعب للفريق أن يحلم حتّى بالمنافسة على الألقاب في ظلّ الأوضاع المتردية في النادي.بدأت العاصفة في الصّيف هذه المرّة، حيث لم يتوقّف جوزيه مورينيو عن انتقاد سياسة النّادي في الانتقالات. جاءت مطالب المدرّب البرتغالي بتعزيز صفوف فريقه خاصّةً بالشق الدفاعي بعد نتائج مخيّبة في استعدادات الموسم الجديد. مطالب قوبلت بالرّفض من مجلس الإدارة الذي رأى أن الحلّ بإحضار اللاعب البرازيلي فريديريكو رودريغيز سانتوس المعروف باسم «فريد»، قادماً من نادي شاختار دونتسيك الأوكراني. صفقةٌ لم تلبِّ طموحات مورينيو الذي كان يطالب بقدوم ظهير يوفنتوس البرازيلي ألكس ساندرو، هاري ماغواير قلب دفاع ليستر سيتي الإنكليزي، إضافةً إلى مهاجم أتلتيكو مدريد، الفرنسي أنطوان غريزمان. خيبةٌ جعلت المدرّب البرتغالي يصرّح علناً بأنّ اليونايتد قادمٌ على موسمٍ صعب، مطالباً الأنصار بخفض سقف الطّموح. لكنّ الجماهير لم تتوقّع أن يكون الموسم بهذه الصّعوبة، فبعد ثلاث جولات من بداية الدوري الإنكليزي، تمكّن عملاق إنكلترا من تحقيق فوز واحد جاء بشقّ الأنفس أمام ليستر سيتي في أولى جولات الدّوري الإنكليزي بنتيجة 2-1. فوزٌ تلته خسارتان متتاليتان أمام كلٍّ من ناديي برايتن وتوتنهام هوتسبر بنتيجتي 3-2 و 3-0 توالياً، وقد حقّق مورينيو بهذه البداية رقماً سلبيّاً لم يحدث مع الشّياطين الحمر منذ 26 عاماً، حيث إنّها المرّة الأولى التي يخسر فيها النّادي مباراتين من أول ثلاث مباريات منذ 1992، إضافةً إلى أن الخسارة 3-0 على أرضه هي الخسارة الأكبر في تاريخ المدرّب البرتغالي.
مورينيو صار في وضعٍ لا يحسد عليه. المدرّب المميّز بات «متخصّصاً بالفشل»، فبعد ثلاثة مواسم في القلعة الحمراء تمثّلت قيمة صافي النّفقات على صفقات النّادي بـ 302 مليون جنيه إسترليني. رقمٌ ضخمٌ لم يجلب معه للنّادي الألقاب المرجوّة، إذ لم يحقّق النّادي في حقبة مورينيو سوى ثلاثة ألقاب مغمورة، تمثّلت بكأس الدّرع الخيريّة، وكأس رابطة المحترفين الإنكليزيّة، إضافة إلى فوزه بالدّوري الأوروبي، واحتلاله المركز السّادس في موسمه الأول، والمركز الثّاني في موسمه الثاني خلف المتصدّر مانشستر سيتي بـ 19 نقطة. مراكز وتخبّطات بالأداء أنزلت من أسهم النّادي الأنجح في إنكلترا في العقود الثلاثة السّابقة. ولا يزال مانشستر يونايتد بعيداً كلّ البعد عمّا كان عليه في عهد السّير ألكس فيرغسون، ذلك الرّجل الّذي كان يعدّ موسمه سيّئاً إذا حصد كأساً محلّية وحقّق المركز الثّاني في الدّوري. الرّجل الذي بلغ صافي إنفاقه على صفقات النّادي 226.5 مليون جنيه إسترليني في 27 سنة قضاها داخل قلعة الأولد ترافورد، محصّلاً 38 لقباً، بينها ثلاثة عشر لقباً في الدوري الإنكليزي، ولقبان في دوري أبطال أوروبا، إضافةً إلى خمسة ألقاب في كأس الاتّحاد الإنكليزي.
يخوض المدرّب الذي طالما وُجد في قائمة أفضل مدرّبي العالم اليوم، حرباً على أربع جهات. الصّحافة الإنكليزيّة بالدرجة الأولى، الّتي تواجه تاريخاً كبيراً من الأخذ والرّد معه، حيث يعدّ مورينيو مادّة دسمة لعائداتها. الجبهة الثانية ضدّ اللاعبين، حيث خسر المدرب الحرب داخل غرفة ملابس الفريق بعد الأسلوب الذي اتبعه معهم، إذ أساء إلى عدد من لاعبيه أمام الإعلام بعد أدائهم المخيّب وعدم التزامهم، من أمثال بوغبا ومارسيال. الجبهة الثالثة ضدّ الإدارة، حيث لم يبخل مورينيو بفتح نيرانه أمام الصّحافة على إدارة النّادي أيضاً، التي طالما وصف سياستها المتقشّفة بالمضرّة تجاه مستقبل النّادي، علماً أنّها دعمته بالكثير من المواقف، كان آخرها تجديد عقده حتّى عام 2020، في ظلّ الغموض حول مستقبله في الموسم السّابق. وتبقى حربه الأخيرة التي سيخوضها ضدّ القشّة الأخيرة التي تبقيه عائماً، ألا وهي الجماهير، إذ إنّ العاطفة الّتي يمتلكها مورينيو في قلوب الشّياطين الحمر تعدّ الأمل الأخير الّذي قد يشفع له عند الإدارة بإعطائه فرصة أخرى، حيث برز ذلك جليّاً بعد أن حاول «المدرب المميز» كما يسمّي نفسه، إخماد غضب الجماهير بالتّصفيق لهم طويلاً بعد المباراة لبقائهم في صفّه، وهو ما حصل عليه من قسم منهم، إلّا أنّ القسم الثّاني لديه الرّغبة بخروجه من النّادي، بعدما لم يبدِ أي ردّ فعل تجاهه.
يدرك مورينيو جيّداً أنّ سمعته التدريبية باتت على المحكّ، وأنّ اسهمه بين كبار مدرّبي العالم قلّت كثيراً، مقارنةً بفترة وجوده في الإنتر، تشيلسي والرّيال. ويعلم جيّداً أنّ نهايته مع يونايتد باتت قريبة جدّاً، لكنّه يحاول جاهداً أن يخرج بأفضل صورة ممكنة للحفاظ على اسمه. يُعرَف عن مورينيو جيّداً كيف يخرج بموسم يقنع الجماهير، يشهد على ذلك ما حدث في موسمه الأوّل برفقة يونايتد، حيث فشل في الوصول إلى الأربعة الكبار في الدّوري، لكنّه تمكّن من التّأهّل إلى دوري أبطال أوروبا عبر بوابة الدوري الأوروبي. كذلك فإنّ من المعروف عنه أيضاً قدرته الهائلة على إبعاد الضّغط عن ناديه ولاعبيه عبر مؤتمراته الصّحافية المثيرة للجدل، إلّا أنّ هذه السّنة لن يتمكّن من الإفلات من الإقالة بهذه السّهولة، حيث تشبه فترته الحاليّة إلى حدٍّ كبير سنته الأخيرة برفقة تشيلسي عام 2015. آنذاك، خسر غرفة الملابس بعد مشاكله الكبيرة مع دييغو كوستا، التي طرد على إثرها في منتصف الموسم بعد مشاكل مع اللاعبين والإدارة. كل هذه الأسباب، وبرأي الكثيرين، ستجعل الإقالة مسألة وقت لا أكثر.
ظلّ مورينيو متمسّكاً بعقيدته الدّفاعية مع شحن اللاعبين بالمعنويات


على الورق، ورغم كل شيء، يمتلك مورينيو تشكيلة قادرة على المنافسة على اللّقب حتّى الرّمق الأخير. لكن أصل المشاكل في النّادي تمثّلت بأسلوب المدرّب، حيث حجّم الدّفاع المفرط من قبله إمكانات العديد من لاعبيه. فمورينيو يطلب دائماً من كلّ اللاعبين التزام الواجبات الدفاعية المبالغ فيه، ما حدّ من إمكانات بوغبا الهجوميّة التي تمثّل أكبر مميّزاته، إضافة إلى انطفاء نجم سانشيز، الذي كان أحد أفضل لاعبي البريميير ليغ برفقة أرسنال. ونحن الآن في عهد تطوّرت فيه كرة القدم وتغيّرت أساليبها، لكن ظلّ مورينيو متمسّكاً بعقيدته الدّفاعية مع شحن اللاعبين بالمعنويات، إضافة إلى إحداث البلبلة في الوسط الصّحافي لإيجاد بيئة سليمة داخل كلّ النّوادي التي درّبها. أسلوبٌ بات مكشوفاً بعد سنوات من التّكرار دون تطوير أفكاره لتتلاءم مع الكرة الحديثة، ما جعل مورينيو خصماً سهلاً لأغلب المنافسين مهما كان حجمهم. أمام المشاكل الجمّة التي تواجه المدرّب البرتغالي، سيتعيّن عليه سلوك إحدى الطّريقين: السّيطرة على زمام الأمور في مانشستر من خلال تحرير بعض اللّاعبين من قيودهم الدّفاعيّة وتغيير أفكاره وقناعاته، أو الحفاظ على أسلوبه البدائي والبحث عن مغامرة جديدة خارج أسوار مسرح الأحلام لاستعادة بريقه المفقود. وقد تميل الكفّة إلى الخيار الثّاني، حيث تجذب الأضواء السّاطعة من جديد في إيطاليا أعين مورينيو، وربّما شكّل موطنه القديم، الإنتر، الوجهة الأفضل له، في ظلّ مشروع النّادي الجديد، والعاطفة الكبيرة الّتي يمتلكها المدرّب في قلوب المشجّعين، إضافة إلى أزمة كبيرة بدأت تلوح في الأفق مع سباليتي، مدرب الإنتر الذي لم يقدّم شيئاً حتى الآن.