200 مليون يورو. هذه هي قيمة النجم المصري، جناح نادي ليفربول الإنكليزي محمد صلاح، بحسب موقع «TransferMarket». هذه القيمة تُعَدّ عالية جداً، لكن طبعاً بالنسبة إلى ملايين المصريين، «أبو صلاح» لا يقدّر بثمن. صحيح أن أسعار اللاعبين في السنوات الأخيرة شهدت بدورها ارتفاعاً كبيراً، وكان لنيمار دا سيلفا البرازيلي لاعب برشلونة الإسباني السابق وباريس سان جيرمان الحالي الفضل الأكبر في التأثير بهذه الأسعار، فتكلفة صفقة انتقاله من الفريق الكاتالوني إلى نادي العاصمة الباريسية وصلت إلى 222 مليون يورو. لكن صلاح حالة «خاصة» شعبياً. في الأرقام، تُعَدّ قيمته وحده أكبر أو أغلى من قيمة (السوقية) كل لاعبي الدوري المصري في كفّة واحدة (138.83 مليون يورو بحسب الموقع عينه). ما لا شك فيه، أنّ عالم كرة القدم أصبح استهلاكياً ــ تسويقياً بامتياز. جُل اللاعبين الكبار ــ على غرار الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو والبرازيلي نيمار ــ يعتمدون في بناء ثرواتهم، في المقام الأوّل، على عالم آخر يختلف كثيراً عن عالم كرة القدم: عالم الدعاية والعالم الاستهلاكي، عالم «الكولا» وشفرات الحلاقة وما شابه من أصناف الإعلانات التجارية. كل من هؤلاء اللاعبين الذين ذُكروا، يحصلون على مردود أكبر بكثير من الذي يتقاضونه مع فرقهم (برشلونة/ يوفنتوس/ باريس) بسبب غرقهم في هذا العالم. الجميع على دراية بماهيّة محمد صلاح اليوم كلاعب لليفربول وكأحد أفضل اللاعبين الحاليين في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى. فأن تكون هدافاً للدوري الإنكليزي، وأفضل لاعب فيه، ليس أمراً سهلاً. في حالة صلاح، ومن دون أن يفكّر، سيصبح واجهة الكثير من السلع والمنتجات التي ستتمنّى على لاعب كـ«أبو مكّة» أن يظهر «راعياً» لها. إلى جانب كل من ميسي وديلي آللي وتوني كروس ومارسيلو، كان محمد صلاح واحداً من بين الوجوه التي ظهرت أخيراً على أحد منتجات أكثر شركات المشروبات الغازية شهرة في العالم. إذاً، صلاح «مادة دسمة» للاستهلاك والإعلان. شاء ذلك أو أبى، هذه السمة تبحث عنه، حتى وإن كان لا يبحث عنها. وما حدث بين صلاح والاتحاد المصري لكرة القدم قبل بداية المونديال، يأتي في هذا الإطار. إذ يذكر الجميع القصة الشهيرة، حين وضع الاتحاد المصري صورة لمحمد صلاح على إحدى طائرات المنتخب الوطني إلى جانب لاعبين آخرين من المنتخب، بالإضافة إلى إعلان لشركة اتصالات تربطها علاقة استثمارية بينها وبين الاتحاد. هذا الأمر أزعج نجم ليفربول كثيراً، بل جعله يبدأ جدّياً بتوجيه الاتهامات أكثر من مرّة إلى الاتحاد بـ«قلة المسؤولية». اللافت، أن قرار صلاح واستياءه لم يكونا بسبب موقف «ثابت» من تحويله إلى سلعة، بل لأنه وقّع عقداً تجارياً مع شركة اتصالات أخرى (لم يُذكَر اسم الشركتين في السجال المتبادل بين صلاح والاتحاد. كان قرار الاتحاد المصري غير مبالٍ بقرارات صلاح «التجارية»، واتخذ قراراً باسمه، وكان قراراً تجارياً أيضاً! السِّجال إذاً، تجاري، حتى الآن.
لكن صلاح ليس مستاءً من الأبعاد التجارية وحسب. وجاء في التغريدة التي نشرها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» التي استنكر فيها عدم رّد الاتحاد المصري على موضوع «الصورة» التي أثارت البلبلة: «الطبيعي أن أي اتحاد كرة يسعى إلى حل مشاكل لاعبيه حتى يوفروا له الراحة، لكن في الحقيقة ما أراه عكس ذلك تماماً. ليس من الطبيعي أن يتم تجاهل رسائلي ورسائل المحامي الخاص بي، لا أدري لماذا كل هذا. أليس لديكم الوقت الكافي للرد علينا؟!». وهكذا ينقل صلاح «المعركة» مع الاتحاد من معركة «تجارية» إلى معركة «أخلاقية» يعبّر فيها عن انزعاجه من طريقة إدارة الاتحاد المصري للعلاقة مع اللاعبين المصريين.
في أية حال، أصبحت الأمور الدعائية والترويجية جزءاً أساسياً من كرة القدم. ومحمد صلاح جزء من عالم الكرة، وتالياً يطاله «الاستهلاك». النجم المصري، الذي رفع عالياً اسم بلده والدول العربية جمعاء بسبب ما قدّمه مع ليفربول وروما وفيورنتينا وبازل، ليس لاعباً «اشتراكياً»، أو يلعب «لوجه الله»، والاتحاد يتصرف «على مزاجه» وفقاً لحسابات شخصية وسياسية من دون الرجوع إلى صلاح، ولا إلى غيره، كما يقول الكثير من المتابعين المصريين. في النهاية، إن أحبّه ملايين المصريين، فلديه أيضاً حساباته الشخصية وملايينه التي يتقاضاها باعتباره لاعباً محترفاً، كبدل لما يقدمه، في عالمٍ لم يعترف إلا بالمال. وعلى هذا الأساس، ينتظر من الاتحاد المصري احترام حياته المهنية، كما تحدث في إنكلترا، لا كما تحدث الأمور في مصر. الأزمة تتسع، وواضح أن صلاح يعتبر ما حدث «إساءة» لم يكن ليتوقّعها على الصّعيد الشخصي من قبل «الدولة» والاتحاد المصري. علينا ألّا ننسى أنّ هذا كله بسبب العالم «الاستهلاكي» الذي تدرّج اسم محمد صلاح فيه.