من السجن إلى المطار مباشرة. «جُرمهم» التضامن، أو محاولة التضامن، مع رابطة «ألتراس أهلاوي» المنتمية للنادي الأهلي. هذا ظاهرياً، إلا أن السبب الحقيقي قد يأخذ أبعاداً سياسيّة. المشجّعون أنفسهم لا يعرفون السبب خلف إيقاف سبعةٍ منهم، رغم أن شخصاً واحداً كان يحمل اللافتة التي تعبّر عن التضامن مع الألتراس الأهلاوي المصري. بات المتضامنون بحاجةٍ لمن يتضامن معهم. لم يجدوا المتضامنين في مصر، فرابطات الألتراس مكتومو الصوت هُناك، «لا يحق لها التنفس منذ أحداث ثورة يناير، ومجزرة استاد بورسعيد في عام 2012».
تم احتجاز 8 من أصل 16 مشجعاً (هيثم الموسوي)

أساساً، هؤلاء المشجعون السبعة، كانوا 16 شخصاً. المُفرَج عنهم انتظَروا العودة إلى لبنان ليعلنوا تضامنهم مع زملائهم. في الثامنة من مساء الأمس، وصلت الطائرة التي كانوا على متنها. كان أعلن الأربعاء الماضي عن إخلاء سبيلهم، لكن في الحقيقة، بقوا محتجزين في مركز الأمن وممنوعين من الخروج إلى شوارع الإسكندرية.
ليلةُ الاثنين كانت الليلة التي انتظرها هؤلاء المشجعون لمؤازرة فريقهم أمام الأهلي المصري، ضمن ذهاب دور الـ32 بكأس العرب للأندية الأبطال. بصورةٍ تحجب وجوههم (من قواعد الألتراس إخفاء وجوههم واللباس الموحد) في مطار بيروت الدولي، أعلنوا عن رحلتهم الأولى، وهي الرحلة الأولى لهم خلف فريقهم منذ تأسيس الرابطة. الليلة مهمة. الوجهة ملعب برج العرب في الإسكندرية، والخصم هو النادي الأهلي. قبل أيامٍ على المباراة وافقت مديرية أمن المدينة على السماح بحضور 10 آلاف مشجّع في الملعب، وقبل اللقاء بيوم، أعلنت إغلاق بوابات الملعب قبل ساعتين من صافرة الحكم الأولى. الترتيبات الأمنية في ملعب برج العرب عادةً ما تكون صارمة، وجمهور الأهلي قرر مقاطعة حضور اللقاء من على المدرجات بسبب معاملة الأمن لهم، في هذا الملعب تحديداً. هو ليس ملعبهم، والإسكندرية ليست مدينتهم، بل القاهرة.
وصل أعضاء الألتراس النجماوي الـ16 قبل السابعة إلى الملعب. عند البوابة أوقفهم الأمن. فُتّشوا. أمرٌ روتيني. بعدها كُشف عن اللافتة التي كانت معهم «الحرية لأفراد الألتراس». ثلاثُ كلمات مكتوبةٍ على قطعةٍ من القماش كانت كفيلة باحتجازهم. سُئلوا عن ارتباطهم بالألتراس الأهلاوي أو ألتراس «وايت نايتس» المنتمي لنادي الزمالك ونفوا ذلك. هم فقط أرادوا التضامن مع من يُشبههم. من السؤال حول النسبة للألتراس، إلى الشبهة بالانتماء إلى حزب الله! هذا جاء بعد سحب جوازات السفر من المشجعين. السبب حول اختيار هؤلاء السبعة دوناً عن من كان معهم غير مفهوم، حسبما يُشير أحد أعضاء الألتراس النجماوي، «ما زلنا لا نعلم السبب حول اختيار هؤلاء السبعة من بين 16 شخصاً. أساساً، أحد الشباب الذين كانوا محتجزين ليس من الألتراس، لكنّه سافر معنا إلى شرم الشيخ».
أفراد من الأمن المصري اعتبروا أن نادي النجمة يرتبط بحزب الله

يشير عضو الرابطة إلى أنه يضع وشم «الرقم 74»، وهو عدد شهداء الأهلي «إنّها فلسفة الألتراس». أحد عناصر الأمن سأله عن وشمه وجاوبه بصراحة، عضو الرابطة الذي بالمناسبة، كان يغلّف جواز سفره اللبناني بآخرٍ روسي، لم يُحتجز، فيما زميله، الذي يضع وشماً يُشير إلى الطائفة التي ينتمي إليها، «اختير» ليكون من بين المحتجزين. هُنا بدأ الشك بأن يكون الاحتجاز لأبعاد دينية وسياسية، خاصة بعدما تواصل أحد الأشخاص المقرّبين من الأمن الوطني مع أحد أعضاء الألتراس، وقال له إنه سُئل عمّا إذا كان لهم علاقة بحزب الله. «تعامل معنا الأمن بطريقةٍ محترمة في البداية، حتى وجدوا مع أحدنا اللافتة». بعدها تغيّرت طريقة المعاملة، «قال لنا أحد أفراد الأمن إن نادي النجمة مرتبط بحزب الله (في لبنان طبعاً هذا يثير الضحك، كون القاعدة الجماهيرية للنجمة تعتبر العهد خصمها الرئيسي (إلى جانب الأنصار)، وهو الفريق المحسوب على حزب الله). جاوبته بأن هذا ليس صحيحاً، بل على العكس، هو مرتبط ببيت الحريري». هكذا تغيّر التحقيق من رياضي إلى سياسي ـ ديني، «أعتقد أن الأمن كان يشكّ بارتباط شابين من المجموعة بالحزب»، يقول عضو الالتراس النجماوي.
إثر الاحتجاز تدخّل رئيس نادي النجمة أسعد صقال ومحامي النادي نادر المعلّم وتابعا الموضوع حتى صباح الثلاثاء، لكن الأمن الوطني لم يكن يستمع لأحد. عضو الهيئة الإدارية في نادي الأهلي، ومدرب النجمة السابق، عبد العزيز عبد الشافي المعروف بـ«زيزو»، تدخّل أيضاً. حاول أن يوضّح أن لا علاقة لهؤلاء الشباب بالألتراس في مصر، لكن ذلك لم يفلح، حسبما يقول. القنصل اللبناني في مصر عبد العزيز عيسى كان يتابع الموضوع أيضاً، وتوجّه إلى إدارة الجوازات لحلحلة الموضوع، إلا أن الأمن رفض إخلاء سبيل الشباب السبعة حتى يتوجّهوا مباشرة إلى المطار. «للأمانة، إدارة النجمة، والقنصل اللبناني، تابعوا الموضوع، لكنهم لم يحققوا شيئاً»، يقول عضو الألتراس. مصدرٌ في وزارة الخارجية اللبنانية أشار لـ«الأخبار» إلى أن الشباب «تدخّلوا بالشؤون الداخلية لدولة أخرى». برأيه، لا يحق لهم المطالبة بالإفراج عن أشخاصٍ غير لبنانيين، أو حتى لو كانوا لبنانيين في دولةٍ غير لبنان، أو التضامن معهم. يُشير إلى منى المذبوح «المعتقلة ظلماً». «للألتراس المصري مشاكل مع الأمن. لم يورّط هؤلاء الشباب أنفسهم بهذه المشكلة؟» يسأل. يستطرد قائلاً: «حرية الرأي الموجودة في لبنان غير موجودة في بلادٍ أخرى».
في اليوم التالي سمح الأمن الوطني بخروج أحد الشباب «مكبّلاً» إلى المدينة. اشترى تذاكر العودة له ولزملائه ثم عاد إلى الغرفة التي خُصصّت لهم. أصدقاؤهم في لبنان التزموا الصمت حول القضية لضمان عودة المحتجزين.
مهما كانت الأسباب، يصح الاعتراف بقلّة مبالاة الدولة اللبنانية والمؤسسات المعنيّة بقضية هؤلاء الشباب وبقضايا غيرهم.



الصدام بين الألتراس والحكومة
في 16 أيار الماضي، أعلنت رابطة «ألتراس أهلاوي» حلّ الرابطة وإحراق «البانر» (قطعة من القماش مكتوب عليها اسم الرابطة وشعارها). في عقيدة الألتراس، هذا يعني أن الرابطة لم تعد موجودة. جاء ذلك بعد اعتقال عددٍ من قيادات الرابطة، عقب «أحداث شغبٍ» شهدتها مباراة الأهلي و«مونانا» الغابوني في 3 أيار ضمن بطولة دوري أبطال أفريقيا. أحداث الشغب هذه، كانت هتافاً ضد النظام المصري «يا حكومة بكرا هتعرفي بإيدين الشعب هتنضفي [...] يا نظام غبي إفهم بقى مطلبي». المطلب، هو الحرية، التي هتف لها الآلاف في ملعب برج العرب. الحرية أيضاً، التي طالب بها الألتراس في «ثورة 25 يناير» عام 2011، وأدّت إلى تنحّي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم. منذ ذلك التاريخ، بات «ألتراس أهلاوي» هدفاً للنظام المصري، حتى «أحداث بور سعيد»، التي راح ضحيّتها 74 مشجعاً، وأعقبها منع الحضور الجماهيري في المسابقات المحليّة. وكانت السلطات الأمنية في مصر اعتقلت عدداً كبيراً من قادة الألتراس وأعضائه، إلى جانب ذويهم وأقربائهم، الأمر الذي فرض عليهم حلّ الرابطة «من أجل الحفاظ على مستقبل الجميع حتى لا يُستغّل أحد»، كما جاء في بيان الرابطة ما قبل الأخير، الذي سبق مناشدة الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بالعفو عن المشجعين المعتقلين، والتأكيد على الالتزام بعدم الخروج عن النص أو التجاوز ضد الجهات الأمنية.