ثورة باريس سان جيرمان لم تكتمل. نادي العاصمة الفرنسيّة يسيطر على البطولات المحليّة منذ عام 2011، تاريخ استحواذ جهاز قطر للاستثمارات على نادي عاصمة الأنوار. في تلك الفترة، وتحديداً بين 2011 و2013، وقّع رئيس النادي ناصر الخليفي مع المدرب الإيطالي كارلو انشيلوتي. حقق باريس سان جيرمان أول لقب دوري له بعد صيام أكثر من عشرة أعوام. أراد أنشيلوتي في تلك الفترة التأسيس لصناعة ناد قادر على منافسة كبار الأندية الأوروبيّة، مرتكزاً على خبرته الكبيرة في التدريب، خاصة في إيطاليا مع نادي ميلان. أنشيلوتي يعرف كرة القدم الأوروبيّة جيّداً، وبعكسه الإدارة الجديدة، التي تريد نتائج سريعة. نقلت الصحافة الفرنسية في تلك الفترة عن أن أنشيلوتي اقترح على إدارة النادي الباريسي خطة تمتد على 10 سنوات، يجري إعداد النادي خلالها ليفوز بدوري أبطال أوروبا، محافظاً على هيمنته على البطولات المحليّة. رفضت الإدارة وخرج أنشيلوتي من النادي. تعاقد الخليفي مع الفرنسي لوران بلان الذي استمر مع النادي حتى 2016. سار بلان على خطة أنشيلوتي، حقق جميع البطولات الممكنة محليّاً، ولكنّه فشل على مستوى دوري أبطال أوروبا. خلال فترة تولي بلان تدريب باريس سان جيرمان، كان أوناي إيمري يحقق إنجازات كبيرة على مستوى الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ» مع نادي إشبيليا الإسباني. نجح إيميري في الفوز بالدوري الأوروبي مرتين متتاليتين، بينهما الموسم ما قبل الماضي على حساب ليفربول الإنكليزي. إنجازات المدرب الإسباني وضعته على رادار نادي عاصمة الأنوار، وهذا ما حصل. وقّع باريس عقداً مع إيمري بهدف تحقيق دوري ابطال أوروبا نظراً إلى خبرته الأوروبيّة، ولكن هذه المرة أيضاً لم تنجح خطط إدارة الباريسيين. فاز أبناء أوناي إيمري على برشلونة الإسباني في دوري الـ16 من الموسم ما قبل الماضي من دوري ابطال أوروبا، ولكنه خرج بطريقة مذلة في مباراة الإياب بعد الريمونتادا التاريخية لرفاق ليونيل ميسي. الموسم الماضي أيضاً لم يتمكن إيمري من تجاوز عقبة ريال مدريد في دوري ابطال اوروبا. لم تدرك إدارة باريس سان جيرمان بعد، وعلى رأسها ناصر الخليفي، أن دوري ابطال أوروبا تُلعب إضافة إلى كرة القدم بالتاريخ والخبرة، وثقل شعار الفريق، وهذا الأمر بحاجة إلى الكثير من الوقت والعمل في باريس سان جيرمان، ليصبح قادراً على مقارعة أندية مثل برشلونة وبايرن ميونيخ ويوفنتوس وليفربول وريال مدريد وميلان والكثير من الأندية التي تُصنّف في خانة الكبار على المستوى الأوروبي. عمل ناصر الخليفي لم يقتصر على المدربين، فهو جمع أفضل الاسماء في القارة العجوز في عاصمة الأنوار، فتعاقد مع إيديسون كافاني من نابولي الإيطالي، والعملاق السويدي زلاتان إيبراهيموفيتش، وبعدها جاء بكيليان مبابيه من موناكو، وأنخيل دي ماريا من ريال مدريد، من دون ان ننسى أكبر صفقة في تاريخ كرة القدم وهي التوقيع مع البرازيلي نيمار من برشلونة الإسباني بمبلغ وصل إلى 222 مليون يورو. أسماء كبيرة ورنانة في عاصمة الأنوار، كلها عجزت حتى الآن عن تحقيق الحلم الذي تطمح إليه الإدارة، وهو دوري أبطال أوروبا. في الموسم الحالي تستمر إدارة باريس بالسياسة «الفاشلة» ذاتها: أُقيل أوناي إيمري وجيء بالألماني توماس توخيل من بروسيا دورتموند بغية تحقيق الهدف نفسه، وهو دوري أبطال أوروبا، كما تعاقد ايضاً مع الحارس المخضرم جيانلويجي بوفون، وحافظ على نجومه، وأبرزهم نيمار ومبابيه. التوقعات كلها تصبّ في مصلحة باريس سان جيرمان القادر على تحقيق جميع البطولات المحلية الممكنة، والتي بدأت بتحقيق كأس السوبر الفرنسي على حساب نادي موناكو بأربعة اهداف نظيفة، ولكن يبقى التحدي الكبير على مستوى أوروبا، حيث سيكون من غير السهل مقارعة يوفنتوس الإيطالي «المتجدد» مع مجيء كريستيانو رونالدو أو خبرة ريال مدريد وبرشلونة. ذلك لا ينفي أن المدارس العمرية في باريس تدل على وجود عمل جدي على مستوى البناء، كما هي الحال على مستوى التسويق.
ويبدو لافتاً في موضوع باريس سان جيرمان كيفية نظرة اللاعبين إلى النادي. فبعد أن كسر إيديسون كافاني رقم زلاتان إيبراهيموفيتش كأفضل هداف في تاريخ النادي الباريسي، وسؤال الصحافة لـ«إيبرا» عن هذا الموضوع، فاكتفى بالرد أنّه ليس هناك هداف تاريخي في باريس سان جيرمان لأنّ النادي لا يمتلك تاريخاً. وفي هذا دلالة بمكان على أن بعض اللاعبين ينظرون إلى التعاقد مع نادي العاصمة الفرنسيّة على أنّه منجم ذهب، يأتون إليه لجمع المال والرحيل. ولكن هذه الصورة يمكن أن تتغيّر إذا قررت الإدارة التريّث والسير بمشروع كروي مدروس وهادئ يمكّنها من تحقيق التقدم التدريجي أوروبيّاً وصولاً إلى تحقيق اللقب.
وكما في أوروبا كذلك في داخل فرنسا، فإن جماهير نادي مارسيليا دائماً ما تعاير الباريسيين بأنّهم لم يحققوا دوري الابطال بينما هم حققوه في عام عام 1993. وكذلك الأمر بالنسبة إلى نادي سان إيتيان الفخور بأنّه أكثر ناد حقق الدوري الفرنسي في التاريخ، وأن أبناء العاصمة لا يزالون في بداية الطريق لكي يصنعوا تاريخاً لهم في كرة القدم الفرنسية.
إمكانات مالية هائلة لنادي عاصمة الأنوار اليوم، نجحت في تحقيق نجاحات، وجعلت ملعب «بارك دي برينس» قبلة للنجوم، ولكن القطاف على المستوى الأوروبي لم يبدأ بعد، لأن الخطط الموضوعة لا تحقق المطلوب حتى الآن، والأكيد أن النادي بحاجة إلى مراجعة سياساته، نظراً إلى المبالغ الخياليّة التي دُفعت من عام 2011 إلى اليوم. موسم جديد سيكون امتحاناً جديداً للباريسيين المنتشين بتحقيق فرنسا للقب كأس العام، وتقديم كيليان مبابيه مستوى كبيراً مكّنه من أن يكون أفضل لاعب صاعد على مستوى العالم، آملين أن ينعكس هذا الأمر إيجاباً عليهم على المستوى الأوروبي.