خرج سامويل إيتو من برشلونة عام 2010. بعد ذلك تبعه يايا توريه في العام التالي. رحل جو هارت عن مانشستر سيتي الإنكليزي مغادراً إلى تورينو الإيطالي. وإذا بحثنا عن وجه الشبه في كلتا الحالتين، سواء في «البلوغرانا» أو «السكاي بلو»، وجدنا أن وراء مغادرة هؤلاء اللاعبين رجل واحد. بيب غوارديولا. وبعيداً عن الأسباب التي دفعته إلى إبعادهم عن الأندية التي درّبها، فإن المدرب الإسباني يبقي على من يخدم طريقة لعبه ويستقطب إلى تشكيلته من يقنعه أسلوب لعبه الذي يتناسب مع فكره. لكن بعضهم يخيّبون ظنه، وهذا الأمر طبيعي، فليس من الضروري أن تكون على صواب دائماً. وفيما كانت الأنظار موجهةً إلى من سيذهب إلى نهائي كأس العالم وانتقال رونالدو إلى يوفنتوس، نجح بيب والسيتي في التعاقد مع رياض محرز الذي بات أغلى لاعب عربي، والأغلى في تاريخ «السيتيزينز» ورابع أغلى صفقة في «البريميرليغ»، إذ وصلت قيمتها إلى 60 مليون جنيه استرليني. نجح محرز أخيراً في الهروب من حصار «الثعالب» في ليستر سيتي حيث كانت بداية الظهور إلى الأضواء، بعد أن لعب النادي دوراً في عدم انتقاله لمدة موسمين. غوارديولا يريد محرز في فريقه، وهذه شهادة إضافية لمحرز في قيمته الكروية من واحد من أفضل المدربين في تاريخ اللعبة. من هنا يمكن أن نبدأ.«عندما أصبح لاعباً عالمياً سأعيد لك ثمن تذاكر القطار». هكذا كان يرد محرز على والدته عندما كان يقترض منها الأموال ليذهب للعب في ساركلاس الفرنسية حيث ولد. اليوم، وفى محرز دينه لوالدته، إذ أصبح واحداً من الأسماء التي ستخلد في تاريخ الدوري الإنكليزي، وذلك بعد نجاحه في تحقيق لقب الدوري الإنكليزي الممتاز في موسم سمّي «المعجزة» تحت قيادة المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري عام 2016، ليتوج بعدها بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي وأفريقيا، كما حل سابعاً في الترتيب العالمي. غادر محرز ليستر سيتي ووصل إلى مانشستر سيتي حيث تجددت احتمالية فوزه بلقب الدوري الإنكليزي مرة أخرى، ولم لا الفوز في دوري أبطال أوروبا، ليسير على خطى مواطنه رابح ماجر الذي توج سابقاً في البطولة الأوروبية مع بورتو في الثمانينيات من القرن الماضي. وبخصوص هذا التحول يمكن طرح العديد من الأسئلة، منها: ماذا سيقدم رياض في مانشستر سيتي؟ وهل يعتبر محرز مناسباً للسيتي؟ وكيف سيتم توظيف محرز في تشكيلة بيب؟ وهل بات الأخير غير مقتنع برحيم ستيرلينغ أو برناردو سيلفا؟
حسناً. يلعب محرز في مركز الجناح الأيمن أو متوسط الميدان المهاجم، ولا عيب لديه في كلا المركزين، كما يمكنه أن يلعب على الجهة اليسرى. إنه صانع ألعاب. تراجعت أرقام محرز في الموسم الماضي عن الموسم الذي توّج فيه باللقب مع ليستر، لكنه بقي من بين الأفضل في الدوري، حيث سجل 12 هدفاً وصنع 10 أخرى. وما يميّزه أنه يجمع في أسلوبه العديد من الخصائص في أسلوبه، ومما لا شك فيه أنها كانت سبباً في توجه أنظار غوارديولا إليه. بلغت نسبة تمريراته الصحيحة في «البريميرليغ» في الموسم الماضي 80%، وهو يمتلك القدرة على لعب الكرات الطويلة والقصيرة، كما أنه جيد في إنهاء الهجمات والتسديد من خارج منطقة الجزاء. وفيما يخص العمل الدفاعي، فإن اللياقة البدنية العالية التي يمتلكها تسمح له بالتراجع لمساندة المدافعين، وقيادة الهجمات المرتدة. بعض هذه الصفات تنقص سترلينغ وبرناردو سيلفا، وهي مجتمعة في لاعب واحد. لذلك، لم يتردد بيب في التعاقد معه، لأنه يناسب فلسفته تماماً.
لا يمكن التنبّؤ بما إذا كان انتقال محرز إيجابياً أو سلبياً، ولكن يمكن طرح بعض الأمور التي قد لا يختلف عليها العديد من المحللين الكرويين، من بينها استفادة محرز من غوارديولا وتطوره، وروح التنافس الموجودة في السيتي حيث كان مع ليستر اللاعب الأول في التشكيلة. لكن الوضع مختلف في مدينة مانشستر، ومنطقياً فإن محرز سيكون أساسياً، خصوصاً أنه الصفقة الأغلى في تاريخ النادي، علماً بأن السيتي على صعيد اللاعبين لا ينقصه العدد، خصوصاً في ظل وجود ليروي ساني، سترلينغ، سيلفا، وامكانية لعب دي بروين أيضاً كجناح. غوارديولا يريد نسخة عن ساني، ولكن على الجهة اليمنى، إذ إنهما يملكان الخصائص نفسها تقريباً، مع فارق الإمكانات الفنية لمصلحة محرز مقابل السرعة لمصلحة الجناح الألماني. ما يمكن إضافته في ما يخص نظرة بيب إلى الجزائري، هو أن الأول يحب اللاعب الذي يلعب ويندمج في منظومة جماعية، وهذا النوع من اللاعبين يزيد من تعلق غوارديولا باللاعب. وما كان يفعله محرز في ليستر كان يعتمد على الجماعية، إذ إنه لم يكن «يداً تصفق وحيدة»، فهو يملك القدرة على التسجيل والصناعة. يفتقد السيتي اللاعب الذي يسدد من خارج منطقة الجزاء (باستثناء دي بروين)، وخصوصاً من الأطراف، ونسبة نجاح محرز في هذا الأمر أفضل من ساني وسترلينغ. أما على صعيد الفرديات، فالسيتي لا يعاني من هذه الناحية. ساني دي بروين أغويرو كلهم يملكون القدرة على مراوغة المدافعين، وإشراك محرز سيكون عاملاً إضافياً من هذه الناحية، حتى إن معدله لا يقل عمّن ذُكروا.
قد يواجه محرز تحدياً جديداً في السيتي، حيث يجب عليه إثبات نفسه كلاعب يستحق اللعب كأساسي، خصوصاً في ظل وجود البدلاء في المركز الذي يلعب فيه. ولا يمكن اعتبار هذا الأمر سهلاً في فريق مثل مانشستر سيتي. صحيح أنه حديث العهد على صعيد المنافسة إنكليزياً وأوروبياً، إذا صح التعبير، لكن السيتي اليوم واحد من بين الكبار في أوروبا الذين باتوا يدخلون دوري الأبطال وهم من بين المرشحين لحصد اللقب. ويبدو أن محرز سعيد بهذا الانتقال وجاهز لما سيواجهه. لم يُخفِ في المؤتمر الصحافي أنه أصرّ على اللعب تحت إشراف بيب غوارديولا وأن مدرب السيتي كان يبادله الرغبة نفسها أيضاً.