افتقدت كأس العالم إيطاليا، إذ لم يستطع المدرّب «الكارثي» جيان بييرو فينتورا حمل «الآتزوري» إلى النهائيات. اصطدم منتخبه في مباراة الملحق بنظيره السويدي، أحد أكبر المفاجآت في المونديال الروسي. لم تفعلها إيطاليا، لكن فرنسا قامت بالواجب وأخذت الروح الإيطالية معها الى روسيا. لكن كيف؟برز في كأس العالم 2018 العديد من طرق اللعب التكتيكية، التي تقوم على الدفاع وانتظار الفرصة المناسبة لأخذ المبادرة الهجومية واستغلال المساحات التي كان قد تركها الفريق الخصم في محاولته لتسجيل الهدف. لكن «فرنسا ديدييه ديشان» كانت الأكثر فعالية في اعتماد هذه الطريقة. فالتشكيلة الفرنسية بدت منظّمة جداً، فأسقط ديشان كل الانتقادات من كبار اللاعبين السابقين والمحللين وغيرهم، إذ بعناده تمسّك بأفكاره رغم الملاحظات على تحفظه الدفاعي، وهي طريقة لعب لم يعتد الفرنسيون مشاهدتها.
اذاً «الكاتيناتشو الإيطالي» تحوّل إلى «ميتود ديفونسيف فرنسي»، فلم يقع «الديوك» في شرك البلجيكيين في الدور نصف النهائي، ولم يخطئوا كما اخطأ البرازيليون أمام «الشياطين الحمر»، فحصلوا على البطاقة الذهبية المؤهلة الى نهائي مونديال موسكو.
ومن يتابع كرة القدم الفرنسية منذ فترة ليست بقصيرة، يعلم بأن ما يقدّمه منتخب فرنسا اليوم مغاير تماماً لما قدّمته «فرنسا القديمة»، أي فرنسا زين الدين زيدان، فرنسا ميشال بلاتيني، وفرنسا الهجومية مع تييري هنري. لكن الأهم أن النتيجة جاءت ايجابية. فالأمان كان بالدرجة الاولى لتفادي الخروج المرير الذي عرفته منتخبات كبيرة أخرى، غامرت بطريقة لعبها، فدفعت الثمن غالياً.
خطة ديشان الدفاعية الذكيّة أمام بلجيكا جنّبت فرنسا مصير البرازيل


وبمجرد الفوز على بلجيكا، يكون المنتخب الفرنسي قد أعلن نفسه مرشحاً أول للفوز باللقب. فالمنتخب البلجيكي يملك في جعبته الكثير من مفاتيح اللعب الهجومية القادرة على ضرب أي خط دفاع، من إيدين هازار إلى كيفين دي بروين، وصولاً الى روميلو لوكاكو. لكن كل هذه الأسماء لم تتمكن من اختراق الدفاع القوي الذي بناه ديشان من خلال ثنائية رافايل فاران وصامويل أومتيتي في قلب الدفاع، وأمامهما «القلب النابض» نغولو كانتي.
نقطة أخرى تجب الإضاءة عليها، وهي شجاعة ديشان التي لم تقف عند هذا الحدّ؛ فالاستغناء عن ظهيرين مثل بنجامين مندي وجيبريل سيديبه، ليس بالأمر السهل، لكنه عوّضهما بلاعبين اثنَين، شغلا مركز قلب الدفاع مع فريقيهما وهما: لوكاس هرنانديز لاعب أتلتيكو مدريد الاسباني، وبنجامان بافار لاعب شتوتغارت الألماني. وتبيّن لاحقاً أن هذين اللاعبين لديهما تأثير كبير على ما قدّمه منتخب «الديوك» حتّى الآن في البطولة. هدف بافار في مرمى الأرجنتين كان مهماً جداً، لكن الأهم كان الدروس التي حملها معهم الفرنسيون الى الدور الذي تلاه.
هناك، وعلى الطريقة الإيطالية، تخطّى المنتخب الفرنسي واحداً من أصعب المنتخبات في المونديال، وهو الأوروغوياني، حيث كبح مهاجميه الأقوياء، مثل لويس سواريز، بالدفاع المنظّم ومن دون أي مغامرات تُذكر.
وحتى المهاجمون لهم دور في الخطة الدفاعية لديشان، وربما أبرزهم على هذا الصعيد هو النجم انطوان غريزمان. وهي مسألة غير مستغربة، فهو يأتي من منظومة المدرب الارجنتيني دييغو سيميوني في اتلتيكو مدريد الاسباني، حيث الدفاع أولويّة، ويبدأ من عند أول مهاجم حتى آخر مدافع.
غريزمان يلعب أصلاً دور القائد الدفاعي، إذ يعرف تماماً متى يهدّئ اللاعب وفورة زملائه الذين يعملون بإرشاداته في حالات عدة، فيتحكّم بنسق اللعب عبر قدرته على الحفاظ على الكرة، ما يسمح لهم بإعادة التموضع والحفاظ على التوازن الدفاعي.
قد يكره محبّو اللعب الجميل، والكرات القصيرة، والنقلات السريعة ضمن مثلثات، ما خطط له ديشان، وما يفعله غريزمان أحياناً، من قتل وتيرة المباراة. لكن بالنسبة إليهما، وبقية رجال المنتخب، تأتي مصلحة فرنسا قبل أي اعتبار. الأداء ليس مهماً في هذه المرحلة المفصلية والتاريخية، فالأهم رفع الكأس الذهبية التي ستخلّد اسم ديشان ومنتخبه الى الأبد.