من دون ألمانيا حاملة اللقب، وإيطاليا غير المتأهلة، والبرازيل المصدومة، وجارتها الارجنتين الخائبة، سيكون «المربع الذهبي» لكأس العالم 2018 أوروبياً خالصاً للمرة الخامسة في تاريخ المونديالات. مشهد عرفته البدايات، وتحديداً في مونديال 1934 بوجود منتخبات تشيكوسلوفاكيا، ألمانيا، إيطاليا والنمسا في نصف النهائي. وتكرر السيناريو في مونديال 1966 حيث بلغته منتخبات ألمانيا، الاتحاد السوفياتي، إنكلترا والبرتغال. وفي نسخة 1982 لعبت كل من إيطاليا، بولندا، ألمانيا، وفرنسا في دور الأربعة، بينما شهدت نسخة 2006 تأهل ألمانيا، إيطاليا، البرتغال، وفرنسا اليه.
تنظر فرنسا إلى غريزمان لنسخ إنجاز فوزها الوحيد بالمونديال قبل 20 عاماً (أ ف ب )

لم يصل هذه المرّة أي من المنتخبات الأربعة التقليدية التي اعتاد أحدها التأهل إلى نصف النهائي. الأمر ليس صدفة، لكن المنتخبات التي وصلت هي الأفضل من حيث الأداء في البطولة، بعيداً من أسباب خروج المنتخبات الأخرى. لقد أثبتت كل من كرواتيا، إنكلترا، بلجيكا وفرنسا أحقيتها بالوصول إلى هذا الدور، فهي عرفت «من أين تؤكل الكتف»، وكيف تفوز وتتقدّم في المشوار المونديالي.

بلجيكا تحاسب التاريخ
في كل مرّة قالوا بلجيكا. جاء المونديال الماضي ولم يكن مونديال «الشياطين الحمر»، ثم جاءت كأس أوروبا ولم يطلّوا بمظهر البطل. اليوم تفتح بلجيكا حساب تصفية مع التاريخ الذي لم ينصفها، فترنو إلى محو خيبات المونديالات السابقة وحياكة نجمة أولى نادرة على قميصها مع جيلٍ يعدّ الأفضل في تاريخ البلاد.
وبمجرد إقصائها للبرازيل، أصبحت بلجيكا في مقدّمة المرشحين للفوز باللقب. بالتأكيد، سمح «الأسلوب الهجومي» للمنتخب البرازيلي لبلجيكا باللعب على المرتدات، لكن المباراة أمام فرنسا مختلفة تماماً، حيث إن «الديوك» لا يفرطون كثيراً في الهجوم، وقليلاً ما يلعبون بدفاع متقدم، إذ يعتمدون على الالتزام التكتيكي والتحفظ كثيراً.
استحق منتخبا فرنسا وبلجيكا بلوغ نصف النهائي لأنهما عرفا كيفية تحقيق الأهم، أي الفوز بعيداً من نوعية الأداء


لكن اللافت عند البلجيكيين هو طريقة تعاملهم مع المباريات، إذ إن مدربهم الإسباني روبرتو مارتينيز يعرف كيف يتعامل مع الظروف، فيلعب كل مباراة على حدة ويجري التغييرات بحسب ما تتطلبه الظروف. هو سيبحث عن خلق المساحات للاعبيه، إذ يفضل كل من إيدين هازارد وكيفن دي بروين اللعب من دون ضغط عليهما، وهذا ما نجح في فعله مروان فلايني في المباراة السابقة، حيث أوجد المساحة لشاغلي الطرفين، حتى إن روميلو لوكاكو بات يذهب إلى الجهة اليمنى للانطلاق على الخط.
ويعتمد المنتخب البلجيكي على الكرات العرضية كثيراً، وهو قد لا يغيّر من نهجه أمام فرنسا، مع اعتماده على استراتيجية قوامها 3-4-3، لكن في الحالة الدفاعية يتحوّل الفريق للعب بأربعة مدافعين، لأن ناصر الشادلي يعود للقيام بعملية التغطية على الجهة اليسرى، فيما يسانده يان فيرتونغن، مقابل وجود ويلعب أكسل فيتسل وفلايني أمام المدافعين للضغط على حامل الكرة. علماً أن العملية الدفاعية تبدأ من مكان وجود دي بروين الذي يؤدي دور المهاجم الوهمي، ليبقى لوكاكا متحرراً من أي مهمات دفاعية، ويتفرّغ للهجوم الذي يعدّ الأفضل في المونديال بتسجيل هذا المنتخب 14 هدفاً.

فرنسا «النوعيّة والتنويع»
أما الفرنسيون، فهم ضاعفوا أحلامهم برؤية منتخبهم «الشاب» يعود بالكأس للاحتفال في «الشانزليزيه» من جديد، وذلك بعد أن فعلها زين الدين زيدان وزملاؤه في مونديال 1998. استطاع المنتخب الفرنسي أن يفوز على الأوروغواي (2ــ0) في مباراة لم تكن هجومية، إذ كان خصم المنتخب «الأزرق» يشبهه في طريقة اللعب. يفضل «الديوك» التحفّظ في الخلف من دون المبالغة في الهجوم، فالمهم في النهاية هو الانتصار بغضّ النظر عن الوسيلة، وهذا ما يفكر به المدرب ديدييه ديشان دائماً في البطولة الحالية، ما دفع بعض النقاد إلى القول إن أداء فرنسا ليس مقنعاً.
لكن الحقيقة أن المنتخب الفرنسي واقعي، إذ يعرف ديشان جيداً أنه لا يملك فريقاً متجانساً بعضه مع بعض؛ فكل لاعب يأتي من فريق مختلف، وقلّة منهم يلعبون في نفس الدوري، حتى إنه لا وجود للاعبين في التشكيلة الأساسية من نفس الفريق باستثناء نغولو كانتي وأوليفيه جيرو (لم يلعب جيرو مع تشلسي الإنكليزي سوى 595 دقيقة في 13 مباراة)، وأنطوان غريزمان ولوكاس هرنانديز ثنائي أتلتيكو مدريد الإسباني.

في عمر 7 سنوات التقط إيدين هازار صورة مع شقيقيه وهم يرتدون قميص نجمهم المفضّل زين الدين زيدان. اليوم يرتدي النجم البلجيكي شارة قيادة منتخب بلاده، طامحاً إلى حرمان الفرنسيين تكرار إنجاز «زيزو» في عام 1998

المهم أن المنتخب الفرنسي أثبت أنه يعرف كيف يفوز، ولا يهم إن كان يعجب أسلوب اللعب الجمهور والنقاد أو لا. هو أقصى نظيره الأرجنتيني، وأثبت بإقصائه الأوروغواي أن كعبه يعلو على بقية المنتخبات في نصف النهائي. عرف ديشان كيف يتعامل مع ضغوط الإعلام، إذ إنه يتعرض للانتقاد حتى رغم فوزه. وهو يؤمن بلاعبيه الذين يؤمّنون له العديد من الحلول الفردية والجماعية، أضف أن طريقة التنويع في اللعب تخلق مشكلة لأي منتخبٍ كان.
لا يمكن الجزم بأن الفائز في هذه المباراة سيكون بطلاً للعالم، ففي الجهة المقابلة يسعى الإنكليز إلى إعادة الكأس إلى المكان الذي انطلقت منه كرة القدم، بينما يحلم الكرواتيون بتحقيق ما فشل فيه جيل 1998. ويبقى السؤال: مَن سيركب قطار «السباسان» الملقّب «بالطلقة»، الذي تتخطى سرعته 250 كلم في الساعة، ليسافر إلى نهائي ملعب «لوجنيكي» في موسكو؟


كانتي أهم من بوغبا


لعب بول بوغبا حتى الآن 359 دقيقة مع المنتخب الفرنسي في مونديال روسيا، ولم يخرج من أرض الملعب في 4 مباريات، بينما فضّل المدرب ديدييه ديشان إراحته في مباراة الدانمارك الأخيرة ضمن المجموعة الثالثة. ولم يسجل بوغبا أي هدف، بل اكتفى بصناعة هدف وحيد، وقد بلغت نسبة التمريرة الصحيحة لديه 78.1%، وهو استطاع التفوق في أربع كرات هوائية في كل مباراة لعبها، وسدد على الأقل كرة على المرمى. ويصنف بوغبا في المركز الـ 13 بين أكثر اللاعبين عطاءً مع فريقه، علماً بأنه لم يتوّج بجائزة أفضل لاعب في المباراة.
لكن هناك من هو أكثر تأثيراً في أداء فرنسا، أي لاعب الوسط نغولو كانتي أو «الجندي المجهول» الذي مرر 63 تمريرة صحيحة ووصلت نسبته إلى 85% في المباراة أمام الأوروغواي، ونفّذ 6 تمريرات أمامية طويلة و57 تمريرة قصيرة، وُجد دائماً بالقرب من الكرة، وأسهم في بناء الهجمات والاستحواذ على لدى للمنتخب الفرنسي. ولم تكن له أدوار هجومية في خلق الفرص أو التصويب على المرمى، واكتفى بالتحضير الهجومي في وسط الملعب. أما نسبة التمريرات الصحيحة الإجمالية لديه، فوصلت إلى 89.4% في 5 مباريات لعبها (450 دقيقة)، وقد حاز جائزة أفضل لاعب في المباراة مرتين.


«التوأم» فلايني وفيتسل


لعب مروان فلايني 4 مباريات مع منتخب بلجيكا في كأس العالم حتى الآن، كان احتياطياً في اثنين منها. لكن أداء لاعب مانشستر يونايتد جاء عكس المتوقع تماماً، إذ قدم مستوى لا يستهان به من كافة النواحي، وحتى البدنية منها إذ قطع على الأقل 11.5 كيلومتراً في المباراة الواحدة، وحاز جائزة أفضل لاعب في المباراة، مسجلاً هدفاً وحيداً من كرة رأسية في المباراة أمام اليابان (3-2) في دور الـ 16. وبلغت نسبة التمرير الصحيحة لديه في 236 دقيقة لعبها 83%. وفي المواجهة مع البرازيل، لعب فلايني دوراً أساسياً في تأهل بلجيكا، إذ قدّم مستوى دفاعياً ممتازاً، وهو قطع 3 كرات في كل مباراة لعبها، بينما شتّت الكرة 8 مرات، وسدّد أربع مرات ليتمكن من تسجيل هدفٍ واحد. وإلى جانبه يبرز «توأمه» في الوسط أكسل فيتسل القادم من الدوري الصيني، الذي مرّر بنحو صحيح بنسبة 92.2%، فيما سدد 5 كرات في أربع مباريات، اثنتان منها لم تكونا بين الخشبات الثلاث، و3 تصدى لها المدافعون.


أبرز المحطات التاريخية


■ التقت فرنسا وبلجيكا في 73 مناسبة، ففازت الأولى 24 مرة، والثانية 30 مرة، وتعادلا في 19 مباراة.

■ أول مباراة أقيمت بين المنتخبين كانت وديّة، وأُقيمت في بروكسل في 1 أيار 1904 وانتهت بالتعادل 3-3.

■ تلقت فرنسا خسارة قاسية أمام بلجيكا بنتيجة 0-7 في مباراة ودية أقيمت في 7 أيار 1905 في بروكسل.

■ التقى المنتخبان في دور الـ 16 لكأس العالم عام 1938 في فرنسا، وانتهت المباراة بفوز المنتخب المضيف 3-1 وعبوره إلى ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخه.

■ التقى المنتخبان وديّاً في 24 كانون الأول 1944 في باريس، في مباراة انتهت بفوز فرنسا 3-1، وكانت الأولى للمنتخب الفرنسي بعد تحرير العاصمة من الاحتلال النازي.

■ في 16 حزيران 1984، التقى المنتخبان في الدور الأول لكأس أوروبا، في مباراة فاز فيها المضيف 5-0، بينها «هاتريك» للنجم السابق ميشال بلاتيني، الذي قاد «الديوك» إلى اللقب القاري الأول بعد الفوز على إسبانيا 2-0 في المباراة النهائية.

■ التقى المنتخبان في مباراة تحديد المركز الثالث لمونديال المكسيك، في 28 حزيران 1986، حيث فازت فرنسا 4-2 بعد التمديد.

■ آخر المباريات القوية بين المنتخبين في الأعوام الأخيرة أُقيمت في 7 حزيران/يونيو 2015، التقى المنتخبان في مباراة ودية في سان دوني انتهت بفوز بلجيكي كبير 4-3 بعد تقدم بنتيجة 4-1 لإدين هازار وزملائه.