أندرو نبوت، ميغيل ليون وجيمي دورماز. ثلاثة أسماء غالباً ما سمعت عنها في الأسبوعين الأخيرين. هم لاعبو كرة قدم يشاركون في بطولة كأس العالم في روسيا مع ثلاثة منتخبات: أوستراليا، المكسيك والسويد. هؤلاء لم يتواجهوا في المونديال الروسي، ولا يلعبون في الفريق عينه، لم يسجلوا أهدافاً تاريخية ولم يساهموا بفوز المنتخبات التي يلعبون لها، لكن يجمعهم شيء واحد، وهو أصلهم اللبناني. يراهم البعض ممثلين للبنان في البطولة الأكبر في العالم، ويعتقد آخرون بأن وجودهم في المونديال كعدمه بالنسبة إليهم، فيما يسأل البعض عن السبب الذي أبعد هؤلاء عن منتخب لبنان الوطني؟
ميغيل ليّون (خالد دسوقي - أ ف ب)

في 1860، بدأت حركة الهجرة الواسعة من بلاد الشام إلى دول العالم. وكان أغلب المهاجرين لبنانيي الجنسية وسوريين. استمرت الهجرة حتى عام 1920: تاريخ إنشاء دولة لبنان الكبير. لم يتوقّف اللبنانيون عن مغادرة بلادهم حتى أيامنا هذه، لكن بشكل أقل. نحو 14 مليون لبناني يتوزّعون في أنحاء الكرة الأرضية، فيما يعيش نحو 4 ملايين في لبنان. البرازيل وحدها، يكاد عدد اللبنانيين فيها يفوق ضعف الذين لم يغادروا بلدهم الأم. احتضنت تلك الدول، كالبرازيل والولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوستراليا، العديد من الأسماء اللبنانية الشهيرة، كرالف نادر، المحامي الذي ترشّح لرئاسة الولايات المتحدة، والممثلة سلمى حايك، والمغنية شاكيرا، والصحافية هيلين توماس، وجورج صفرا، أحد أغنى رجال العالم. إلى جانب هؤلاء، كان للبنان حصة من الرياضيين، الذين لم تلمع أسماؤهم كثيراً، لكنهم نجحوا في الوصول إلى ما عجز عنه المواطنون في لبنان. أبرز هؤلاء: برانكو، واسمه الحقيقي كلاوديو ابراهيم فاز ليال، الذي فاز مع «السيليساو» في مونديال 1994. أيضاً، طارق الريش، الذي كان قريباً من تمثيل منتخب «الأرز»، لكنه فضّل أوستراليا حيث وُلد وترعرع. وأمين يونس، مرتدي قميص المنتخب الألماني، والذي لا يزال يتردد إلى مدينته طرابلس كل عام.
شكّلت قضية رفض انضمام أمين يونس إلى منتخب لبنان محط خلاف في الوسط الكروي، إذ رأى البعض أن اللاعب لا يدين للبنان بشيء. هو عاش في ألمانيا، وهناك بدأ مسيرته الكروية وانطلق نحو النجومية ليلعب في «أياكس أمستردام» الهولندي، ليصبح مطمعاً لأندية إيطالية وفرنسية، قبل أن يُستدعى إلى منتخب ألمانيا ويرتدي قميص «المانشافت». فيما يذهب آخرون إلى فكرة أن على الإنسان أن يعود دائماً إلى أصله، وبما أن يونس، يملك «دماً لبنانياً»، فيجب أن يمثّل بلاده. قضية يونس تشبه إلى حدٍّ ما قصة اللاعب باسل جرادي، الذي لعب بقميص منتخب لبنان، لكنه الآن يرفض أن يكمل مسيرته الدولية مع «رجال الأرز»، ويأمل في تمثيل الدنمارك حيث عاش .
شكّلت قضية رفض انضمام أمين يونس إلى منتخب لبنان محط خلاف في الوسط الكروي


في المونديال الروسي، ظهر أندرو نبوت، اللبناني الأصل، مع منتخب أوستراليا. اللاعب كان قريباً أيضاً من اللعب مع منتخب لبنان، لكنه لم يفعل. مثله، يمثّل ميغيل ليون المكسيك في كأس العالم للمرة الثانية، وهو أيضاً من جذور لبنانية، كحال جيمي دورماز، الذي يلعب للسويد، وهو ينحدر من أصول لبنانية ــ سورية، ووالداه تركيان، وغالباً، تعرّف العالم إليه من الخطأ الذي ارتكبه في المباراة أمام ألمانيا ضمن الجولة الثانية، في الدقيقة الخامسة من الوقت المحتسب بدلاً من الضائع، والذي سجل منه توني كروس هدف الفوز.
يفتخر بعض اللبنانيين بوجود لاعبين من أصول لبنانية في المونديال. ربما بداعي «النقص» بسبب عدم تأهّل منتخب لبنان سابقاً إلى كأس العالم، أو لوجود شخص في محفلٍ عالمي، يشبههم بطريقةٍ ما، ولو أنه لا يتكلّم اللغة عينها، ولا يعلم إلا القليل عن لبنان، إلا أنهم يحاولون إيجاد شيء في ملامح وجهه يناظرهم. يشعرون بحسٍ من الوطنية عندما يذكر المعلّق العربي أن اللاعب الفلاني من أصول لبنانية. يعيد الجملة عينها مرات عدة، كأي جملة أخرى، رغم أن الأجنبي يغيب عن السمع، وبالتالي، هذا «الفخر»، يبقى بين العرب، واللبنانيين خاصة. من جهة ثانية، يرى البعض أن وجود لاعب من أصول لبنانية، ولا يرتبط ببلده الأول بشيء، لا يعني الكثير لهم. لن يحمل العلم اللبناني عند فوزه، ولن يضع شعار الأرزة على صدره، بل سيردد النشيد الوطني للمنتخب الذي يلعب له، وبالتالي هو ليس لبنانياً برأيهم، بل إن بعضهم يذهب بعيداً نحو «التخوين». هذا الرأي ينسحب على عديد الشعوب العربية، عندما يختار لاعب من بلادهم تمثيل منتخب أجنبي. في معظم الحالات، يكون للاعب أب أو أم من البلد العربي، ومولود في الخارج، وبالتالي فهو فعلاً يرتبط بالبلد الأول، والأمثلة كثيرة: المغربي منير الحدادي الذي قرر تمثيل المنتخب الإسباني، الفرنسي كيليان مبابي (أمّه جزائرية) لاعب منتخب فرنسا، الأخوان الألمانيان سامي وراني خضيرة (أبوهما تونسي)، التونسي كريم رقيق الذي اختار المنتخب الهولندي، وغيرهم الكثير. المشجّعون العرب، من أفريقيا خاصة، قد «يبغضون» أي لاعب يختار منتخب أجنبي بعد أن يرفض تمثيل منتخب بلده الأم، والسبب مفهوم، وهو النقمة المحقة على الاستعمار وتاريخه. رياضياً، يبقى السؤال المطروح في لبنان، حول ما إذا كان للبنانيين الحق في «تخوين» اللبناني الذي يلعب لمنتخب أجنبي، إذا لم يكن اتحاد الكرة المحلي قد استدعاه من الأساس؟ في حالة نبوت (25 عاماً)، كان الجهاز الفني لمنتخب لبنان قد تواصل معه قبل الاستدعاء إلى المنتخب الأوسترالي، إلا أن هذا التواصل جاء متأخّراً. في المقابل، لم يستدعِ أحد ليّون (30 عاماً)، الذي بدأ بتمثيل المنتخب المكسيكي منذ عام 2013. أما دورماز، فكان بعيداً عن المنتخب بجميع الأحوال، نسبة إلى أصوله السورية ــ اللبنانية وهوية والديه التركيين. ولنكن واقعيين، ما الذي يُغري شخصاً يعيش في الخارج، ويتكلّم لغة أجنبية، ولا شيء يجمعه بلبنان، أن يختار المنتخب اللبناني، الذي لا راعي له، ولا داعم، ولا إنجازات في تاريخه، وأفضل ما حققه كان التأهّل إلى بطولة كأس آسيا مرة واحدة عبر التصفيات؟
سواء كان الأصل لبنانياً، أو الاسم عربياً، أو جدُّ جد اللاعب تزوّج بامرأة حملت العلم الأبيض والأحمر، الذي تتوسّطه الأرزة الخضراء، يوماً ما، يبدو أن من غير المنطقي «تخوين» شخص رفض أن يلعب لمنتخب لبنان، وهو ولد وعاش واحتُضن في بلدٍ آخر، كما من غير المنطقي أيضاً، أن ننفخ الصدور فخراً بلاعبٍ يشارك في كأس العالم، أو يلعب لمنتخبٍ مصنّفٍ من بين كبار اللعبة، ولا يعرف عن لبنان سوى التبولة.