أُطلق عليها الكثير من التسميات. مجموعة الموت، مجموعة النار. وغيرهما من الألقاب التي وصف بها النقّاد المجموعة التي تضم المنتخب المغربي. أوقعت قرعة كأس العالم 2018 الذي سيقام على الأراضي الروسية كلّاً من إيران وإسبانيا والبرتغال مع منتخب «أسود الأطلس». على الورق تبدو المهمة صعبة بالنسبة إلى المغرب وإيران في بلوغ الدور المقبل، إلّا أن الأمور لا تسير على مبدأ التوقّعات في عالم كرة القدم، بطبيعة الحال هنا تكمن جماليّة «الكرة المستديرة». من الناحية الرياضية، المنتخب المغربي هو منتخب «الفنانين». يمتاز لاعبوه بحرفية عالية. ومن النواحي الأخرى، يتشاركون مع بقية العرب في خصائص مشتركة. يرزحون تحت حكم استبدادي، ويعانون من القمع، ومن آثار الاستعمار الرهيبة. لكنهم، وإن كانوا منتشرين في أوروبا، أو في المغرب، كلاعبين، يملكون الأحلام والإمكانات المناسبة لتخطّي جداراً عظيماً معهم في المجموعة، التي تضمهم إلى إيران، مع جارتيهما: البرتغال، وإسبانيا. المغرب قويّ وصاحب عزيمة، ولكن بينه وبين جارتيه: البحر والأمل.

«المغاربة هم المغاربة». جملة تعبّر عن مدى الوفاء الذي يملكه اللاعبون المغربيون لوطنهم الأم. المنتخب المغربي دائماً ما كان ضحية الإعلام العربي عند الحديث عن المواطنة والوفاء والتجنيس وغيرها من الأفكار التي لطالما أثارت الجدل ما بين بلدان المغرب العربي. فكان اللاعبون الجزائريون يتّصفون بحبهم وولائهم لبلد «المليون شهيد»، وبأنهم مختلفون عن باقي الدول المجاورة لهم (مغرب، تونس...). وهذا صحيح ويخص الجزائريين، لكن، اليوم، نلاحظ حديثاً معاكساً. موجة جديدة: كأنّ بالتأهل الأخير للمغاربة إلى روسيا أصبح بمثابة ردّ على جميع منتقدي اللاعبين. فإذا أردنا أن نضع قائمة أسماء للاعبين مغاربة، يلعبون في مختلف الدوريات الأوروربية وقد لعبوا مع الفئات السنية للبدان التي يشاركون في فرقها، والذين اختاروا في نهاية المطاف العودة إلى جذورهم، فلن تكون هذه القائمة قصيرة. نبيل درار، حكيم زياش، نور الدين امرابط، مهدي بنعطية، المهدي كارسيلا غونزاليز، كلّها أسماء مرّت مرور الكرام في مرحلة النشوء الكروي وشاركت مع منتخبات مختلفة عن منتخبها الأم المغرب. إلا أن العائلة والأصل والذكريات والطفولة والشارع وتذكّر اللاعبين مكان نشأتهم وكيف ومن أين انطلقت بهم الحياة، أشياء تترك أثراً. دائماً ما تلعب هذه الأمور دوراً فعالاً ومهماً في تغيير وجهة «قلوب» المغاربة، لتعود «أسود الأطلس» إلى عرينها. أكبر دليل على ذلك، التجربة الأخيرة التي شاهدناها من قِبل النجم الذي يلعب مع شالكه الألماني، الذي رفض تمثيل المنتخب الفرنسي على حساب المغرب، أمين حارث. ومع ذلك، ورغم التخلّص من الانتقادات العربية المجانية، لم يسلم حكيم زياش من الانتقادات الغربية، بسبب قراره تمثيل المغرب. فحادثتُه مع النجم السابق الهولندي فان باستن حين وصفه الأخير بعنصرية بالغبي، بعدما اختار زياش تمثيل المغرب على حساب المنتخب الهولندي، ما زالت تتردّد. النتائج أنصفت زياش. وبالفعل تأهل نجم أياكس أمستردام إلى روسيا وبقيت هولندا والمنتخب الهولندي في الأراضي المنخفضة يشاهد «العرس الكروي» عبر شاشات التلفزيون من المنازل.
أبرز اللاعبين المغربيين الذين سيشكلون ثقلاً في تشكيلة رونار سيكون حكيم زياش


أربعة انتصارات، وثلاثة تعادلات ومعها خسارة وحيدة هي حصيلة ثماني مباريات خاضها المنتخب المغربي خلال مشواره ليكون اسم «أسود الأطلس» بين الـ32 منتخباً التي ستزيّن روسيا في أكبر وأضخم بطولة كروية. كما هو الحال مع مجموعة المغرب في المونديال، فالمجموعة التي استطاع لاعبو المدرّب الفرنسي المميّز هرفي رونار أن يعتلوا صدارتها لم تكن بالسهلة. كلّ من ساحل العاج، الغابون ومالي بالإضافة إلى المغرب تشكل المجموعة الثالثة من تصفيات القارة الأفريقية المؤهلة لروسيا. من خلال 8 مباريات حصد «المغاربة» 12 نقطة، رقم يصنّف في خانة «الامتياز» نظراً لصعوبة المنتخبات الموجودة. كان أفضل أداء للمنتخب المغربي خلال التصفيات أمام كل من مالي والغابون حيث فاز بسداسية نظيفة أمام مالي، أما مباراة الغابون فقد حملت نتيجة 3-0 معها الخبر السار لكل اللاعبين والمدرب رونار والجمهور والشعب المغربي بضمان التأهل والوصول إلى الحلم الذي غاب 20 عاماً منذ آخر مشاركة في نسخة 1998. تشكيلة 5-3-2، هي التشكيلة المثالية بالنسبة إلى «الثعلب رونار» التي اعتمدها في أغلب مباريات التصفيات. تدل أرقام التشكيلة على أنها دفاعية، إلا أن الرقم 5 في الدفاع غشاش. في الحالة الهجومية يتحوّل الرسم التكتيكي الذي يرسمه المدرب من 5-3-2 إلى 3-5-2 مع تقدّم كلٍّ من نبيل درار وأشرف حكيمي لاعب ريال مدريد الإسباني ظهيري المنتخب. وعلى ذكر درار، فهذا الأخير ورقة هجومية ممتازة يحبّذها دائماً المدرب الفرنسي، إلّا أنّها تصبح ورقة عكسيّة ذات تأثير سلبي عندما يتعرض «أسود الأطلس» لهجمة مرتدة، فدرار لاعب هجومي، بل وإن مركزه الأصلي هو الجناح الأيمن وليس بظهير. كل هذه العوامل تجعل من الجهة اليمنى مركزاً للمساحات التي ربّما ستسبب الكثير من المشاكل للمغرب أمام كلّ من إيسكو وكريستيانو رونالدو.
إن مشاركة المنتخب المغربي في المونديال الروسي هي الخامسة في تاريخه (1970- 1986- 1994- 1998- 2018). تجربة «المغاربة» الأولى عام 1970 كانت مخيّبة للآمال، فقد خسرت المغرب في مباراتين وتعادلت في الثالثة ضمن دور المجموعات (المغرب 1 – 2 ألمانيا الغربية / البيرو 3-0 المغرب / بلغاريا 1-1 المغرب). ستّ عشرة سنة كانت كافية لتغيير الصورة «الخجولة» التي ظهر عليها المنتخب المغربي في مونديال 70، ففي المكسيك عام 1986، اعتلت المغرب صدارة مجموعتها بعد فوز على البرتغال والتعادل أمام إنكلترا وبولندا. بوصولها إلى دور الـ16، كانت المغرب تكتب تاريخاً. أصبحت المغرب أول منتخب ينحدر من القارة الأفريقية يصل إلى الدور الثاني في تاريخ بطولات كأس العالم. أمّا عن مونديال 1994، فكان شبح مونديال 1970 يلوح فوق سماء الولايات المتحدة الدولة المنظمة للبطولة. خسارة في ثلاث مباريات في دور المجموعات، إذ انهزم رفاق أحمد البهجا أمام المنتخب البلجيكي بهدف نظيف، ثم أمام السعودية بهدفين مقابل هدف، وبالنتيجة ذاتها أمام «الطواحين الهولندية».


أبرز اللاعبين المغربيين الذين سيشكلون ثقلاً في تشكيلة رونار، أوّلهم سيكون حكيم زياش لاعب أياكس أمستردام الهولندي. شارك زياش مع فريقه أياكس في الدوري في 34 مناسبة كصانع ألعاب الفريق، مرّر حكيم 17 تمريرة حاسمة في الدوري إضافة إلى تسجيله لـ9 أهداف. يعتبر زياش محور اللعب بالنسبة إلى المغرب، فأي كرة وأي هجمة يجب أن تمرّ أولاً وتصل إلى قدمي حكيم الذي دائماً ما يلقى الحل في تمريراته وتسديداته المركّزة. صاحب الـ25 سنة صنع هدفين وسجّل مثلهما في الست مباريات التي خاضتها المغرب في التصفيات الأفريقية المؤهلة إلى كأس العالم. أما عن هدّافي المنتخب المغربي خلال مشوار التصفيات، فهم كل من نور الدين أمرابط وخالد بوطيب بأربعة أهداف لكل منهما. نجم آخر هو مهدي بنعطية، قائد المنتخب وثاني أبرز اللاعبين بعد حكيم زياش، بمجاورته لرومان سايس، تلقى المنتخب المغربي هدفاً وحيداً خلال الست مباريات في التصفيات، ممّا يدل على صلابة المنتخب الدفاعية وتنظيمها العالي من قبل المدرب الفرسني هيرفي رونار.
في روسيا، ستكون المهمة صعبة على «أسود الاطلس»، إلا أنها ليست مستحيلة، فمع تراجع مستوى المنتخب البرتغالي الذي يعيش فترة صعبة ومعدّل أعماره المرتفع، قد تكون للمغرب فرصة جدّية في بلوغ الدور الثاني. المباراة الأهم ستجمعهم مع المنتخب الإيراني المنظّم في افتتاح مباريات المغرب في البطولة. في حال فاز رجال المدرب الفرنسي على الإيرانيين سيسهّل الفوز المهمة كثيراً على المغاربة، مع الأخذ بعين الاعتبار تقديمهم مباراة عمرهم أمام البرتغال وكريستيانو رونالدو. على الورق حظوظ المنتخب المغربي جيّدة نسبياً، فالانسجام الموجود في التشكيلة والتفاهم الواضح بين اللاعبين الذي تفتقده اليوم البرتغال سيكون عاملاً أساسياً في تأهل المغرب ووصولها إلى الدور الثاني، ولم لا؟ بلوغ أدوار متقدمّة أكثر.


الدوري «الإسبانوــ مغربي»
انطلقت بطولة المغرب (الدوري المغربي) في المنطقة السلطانية عام 1916 وذلك تحت اسم «عصبة المغرب لكرة القدم» بإشراف من قبل الجامعة الفرنسية لكرة القدم التي كانت وقتها الوصي على قطاع كرة القدم في المغرب، في ظل الاستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا. وتضم المنافسة الأندية التي كانت موجودة في المنطقة الخاضعة والمستعمرة من قبل الدولة الفرنسية. انطلقت بطولة المغرب في المنطقة الخليفية عام 1931 تحت مسمّى الدوري «الإسبانوــ مغربي» وكان إشراف الجامعة الإسبانية. بعد أن استقلّت المغرب 1956 انطلق أول موسم مغربي بحت (البطولة الوطنية المغربية) بتوصية من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، حيث تُوّج نادي الوداد البيضاوي بالنسخة الأولى وقتها لموسم 1956-1957. تمكن نادي الجيش الملكي من حصد البطولة لمدة أربعة مواسم متتالية على الرغم من المنافسة مع أندية قوية مثل الكوكب المراكشي والمغرب الفاسي، إذ تمكن النادي العسكري من دخول التاريخ كأول فريق يحقق اللقب لمدة أربعة مواسم متتالية أعوام 1961-1962-1963-1964. ما هو متعارف عليه، أن هذه البطولة تشهد إقبالاً جماهيرياً واسعاً وذلك نظراً إلى المتعة والإثارة المتواصلة في المباريات التي تجمع بين أفضل وأقوى الأندية في المغرب، بحيث تتمتع الأندية المغربية بقاعدة جماهيرية كبيرة وواسعة. أما أكثر من فاز ببطولة الدوري المغربي هو الوداد البيضاوي الرياضي بـ19 لقباً، بينما يأتي فريق الجيش الملكي ثانياً برصيد 12 لقباً، ويحتلّ نادي الرجاء الرياضي المركز الثالث في الترتيب بـ11 لقباً. لا يختلف اثنان على قوة الدوري المغربي، إلّا أن الرقم هنا سيكون مفاجئاً، من أصل 30 لاعباً تمّ استدعاؤهم لتمثيل المنتخب المغربي من قِبل المدرب الفرنسي هيرفي رونار، يوجد فقط 5 لاعبين ينشطون في الدوري الوطني المغربي. بل وأكثر من ذلك، 21 لاعباً مغربياً يحملون جوازين للسفر. ممّا يدل على ضعف الدوري المغربي والتأثير البسيط الذي يقدّمه هذا الدوري على المنتخب في ظل أن أبرز النجوم في المغرب ينشطون في الأندية الأوروبية الكبرى ويحملون جنسية أخرى غير المغربية.


مؤامرة مونديال 1998


كان المنتخب المغربي يمتلك «توليفة» مميّزة من اللاعبين ما بين عناصر خبرة وعناصر شابة أمثال اللاعب مصطفى حجي الذي حفر اسمه في قلوب المغاربة، بالإضافة أيضاً إلى عبد الجليل حادا وصلاح الدين بصير وغيرهم من اللاعبين الذين كادوا أن يصلوا ويحققوا المفاجأة بحلم وصولهم إلى الدور الثاني لولا المؤامرة التي حدثت في آخر مباراة في دور المجموعات. مجموعة المغرب في مونديال 1998 ضمت البرازيل أحد أبرز المنتخبات في تاريخ البطولة، ومنتخب النرويج واسكتلندا. بدأت المغرب المباراة الأولى لها في المونديال أمام النرويج حيث تمكّن المغاربة من تحقيق تعادل إيجابي بهدفين لمثلهما، سجّل الأهداف كل من النجم مصطفى حجي وعبدالجليل حادا، أما البرازيل فحققت فوزاً صعباً على أسكتلندا بنتيجة 2-1. في المباراة الثالثة والجولة الأخيرة من دور المجموعات (خسر المنتخب المغربي المباراة الثانية أمام البرازيل بنتيجة 3-0) كان المغاربة على موعد مع أضعف منتخبات المجموعة، المنتخب الإسكتلندي. زئير الأسود كان عالي الصوت في هذه المباراة، حيث تم سحق المنتخب الإسكتلندي بثلاثية نظيفة، هنا «أدى المغاربة قسطهم للعلا» منتظرين نتيجة المباراة الثانية التي على الورق اعتبرها الجميع محسومة ما بين البرازيل والنرويج. وصلت الأخبار سريعة إلى البرازيل بأن «أسود الأطلس» قد أنهت مهمتها بنجاح، حينها بدأت «المؤامرة». فتح البرازيل دفاعاته وسمح للنرويج بمعادلته في الدقيقة 83، وليأتي لاعب النرويج ريكدال في الدقيقة 90 ويسجل هدف الفوز لفريقه وهدف الإقصاء «القاسي» لمنتخب المغرب من كأس العالم.