لا يستند منتخب الدنمارك إلى تاريخ مونديالي. هذا البلد الإسكندنافي شارك 4 مرات فقط في كأس العالم. البداية كانت في المكسيك عام 1986. انتهى مشوار الدنماركيين في دور الـ 16. حينها كانت بدايات مايكل لاودروب. لاودروب هذا سيصبح في ما بعد قصة في الكرة الدنماركية، واللاعب الأفضل في تاريخها. كان إلى جانبه شقيقه بريان في خط الهجوم لكن مايكل كان أكثر موهبة في مركز صانع الألعاب. كان أفضل لاعبي جيله في التسعينيات. تنقّل بين العديد من الفرق الأوروبية الكبرى كان أبرزها الغريمين في إسبانيا برشلونة وريال مدريد.فترة التسعينيات كانت الأفضل في تاريخ منتخب الدنمارك. فضلاً عن الأخوين لاودروب كان الحارس بيتر شمايكل موجوداً. شمايكل هذا كان، بدوره، أفضل حرّاس جيله. تألق أيّما تألق مع منتخب بلاده وفي مانشستر يونايتد الإنكليزي تحديداً تحت قيادة السير الإسكوتلندي أليكس فيرغيسون.
عام 1992 شكّل المحطة المضيئة للمنتخب الدنماركي. وقتها، لم يكن عام المونديال بل كأس أوروبا على أرض الجارة السويد. الدنمارك أنهت التصفيات في المركز الثاني وراء يوغسلافيا فلم تكن بين المتأهلين، إلا أن حرمان يوغسلافيا من المشاركة بسبب اندلاع الحرب فيها أفسح المجال أمام الدنمارك لتوجد في يورو 92. جاءت بطاقة المشاركة بغتة ومن حيث لا يدري الدنماركيون. دخلوا البطولة كيفما اتُّفق ومن دون نجمهم الأول مايكل لاودروب لخلافه مع المدرب حينها ريتشارد مولر نيلسن. كانت كل التوقعات تشير إلى أن المنتخب الدنماركي سيكون لقمة سائغة لخصومه، خصوصاً أنه جاء في المجموعة الأقوى إلى جانب الجارة اللدودة السويد المضيفة والتي كانت تضم حينها جيلاً مميزاً على رأسه توماس برولين ومارتن دالين بالإضافة إلى فرنسا وإنكلترا، لكن المفاجأة الضخمة تحققت، إذ تمكّن الدنماركيون من التأهل إلى نصف النهائي بعد التعادل أمام إنكلترا والخسارة أمام السويد والفوز على فرنسا. في نصف النهائي، أسقطوا هولندا ماركو فان باستن ورود غوليت وفرانك رايكارد حاملة اللقب، ثم صنعوا التاريخ في النهائي بالفوز على ألمانيا بطلة العالم حينها، رغم وجود يورغن كلينسمان ورودي فولر وأندرياس بريمه وبقية النجوم.
لكن المفاجأة التالية كانت سلبية، إذ إن هذا الجيل الذهبي لم يتمكن من التأهل إلى مونديال 1994. لكنه وُجد بعدها بأربع سنوات في مونديال 1998. حينها حقق الدنماركيون بقيادة الأخوين لاودروب وتوماس هيلفيغ ويون دال توماسون أفضل نتيجة في مشاركاتهم المونديالية بالوصول إلى ربع النهائي حيث خسروا أمام البرازيل حاملة اللقب بصعوبة بالغة 2-3.
في مطلع الألفية الجديدة، وبعد انتهاء حقبة لاودروب، شهدت الكرة الدنماركية تراجعاً فودّع منتخبها في مونديال 2002 من دور الـ 16 ثم غاب عن مونديال 2006 وبعدها خرج للمرة الأولى في مشاركاته من دور المجموعات لمونديال 2010 ولم يتأهل للمونديال الأخير في البرازيل عام 2014.

الدنمارك في روسيا
وجرياً على العادة في كأس العالم منذ 2002 بالتواجد في مونديال والغياب عن التالي، فإن المنتخب الدنماركي عاد إلى البطولة حيث سيكون موجوداً في روسيا. الدنماركيون أنهوا دور المجموعات في المركز الثاني وراء بولونيا في مجموعة ضمّت أيضاً مونتينيغرو ورومانيا. انتقلوا إلى الملحق حيث تعادلوا مع جمهورية إيرلندا ذهاباً خارج ملعبهم 0-0 ثم حققوا فوزاً كاسحاً إياباً على أرضهم 5-1. كان تأهّلهم مستحقّاً.
الدنمارك الآن في المجموعة المونديالية الثالثة إلى جانب فرنسا والبيرو وأوستراليا. الحظوظ تبدو كبيرة بالتأهل إلى دور الـ 16، إذ باستثناء فرنسا فإن الدنماركيين قادرون على تخطّي عقبتَي البيرو وأوستراليا. لكن السؤال: هل الدنمارك قادرة على أن تذهب أبعد من ذلك؟
بطبيعة الحال، فإن المهمة تبدو صعبة في الأدوار الإقصائية التي ستوجد فيها المنتخبات القوية، لكن الكرة الاسكندنافية، عموماً، تصنع، بين فترة وأخرى، المفاجآت. لا يمكن توقّع ما سيفعله هؤلاء. هذا الأمر يأتي استناداً إلى أسلوب هذه الكرة الذي يعتمد، بصفة عامة ومتشابهة لمنتخباته، على الأداء الجماعي والقوة البدنية. الدنمارك، كما تقدّم، حقّقت المفاجأة عام 1992 بإحراز كأس أوروبا بعد أن أسقطت في مشوارها حاملي اللقب في النسخ الثلاث السابقة هولندا وفرنسا وألمانيا، كما أنها قدّمت أداء مميزاً في مونديال 1998 وودّعت بصعوبة بالغة أمام برازيل رونالدو وريفالدو من ربع النهائي. الجارة السويد ذهبت أبعد من ذلك عندما وصلت إلى نهائي مونديال 1958 على أرضها وخسرت أمام برازيل بيليه وغارينشا، ثم ابتعدت فترة طويلة قبل أن تعود بقوّة في التسعينيات بالوصول إلى نصف نهائي كأس أوروبا 1992 عندما خسرت بصعوبة أمام ألمانيا 2-3 ونصف نهائي مونديال 1994 عندما خسرت بصعوبة أيضاً أمام البرازيل مجدداً بهدف روماريو في الدقائق الأخيرة. أيسلندا بدورها حقّقت المفاجأة الكبرى في كأس أوروبا 2016 الأخيرة في فرنسا عندما وصلت إلى ربع النهائي وخسرت أمام فرنسا بعد أن أطاحت بإنكلترا في دور الـ 16. الإسكندنافيون حادّو المراس ولا يستسلمون بسهولة.
في التشكيلة الدنماركية الحالية التي ستشارك في المونديال الروسي، ثمة العديد من الأسماء المميزة بدءاً من حراسة المرمى حيث يوجد كاسبر نجل الكبير بيتر شمايكل والخبير القائد دانيال آغر في الدفاع وصاحب التجربة نيكلاس بيندتنر في الهجوم، لكن الرهان الأول يبقى على خط الوسط حيث يوجد في مركز صانع الألعاب كريستيان إيركسن النجم الأول في المنتخب والذي تعوّل عليه بلاده كثيراً ليُعيد زمن لاودروب. المنتخب يقوده الجار النروجي أيج هاريدي الذي يشرف عليه منذ عام 2015. هاريدي ليس اسماً معروفاً، لكن هكذا هم الدنماركيون يفضّلون، تاريخياً، الاعتماد على المدربين الوطنيين أو الاسكندنافيين الذين يعرفون جيداً أسلوب كرتهم.
بطبيعة الحال، لن تُحرز الدنمارك لقب المونديال كما أحرزت لقب يورو 92. الزمن تغيّر والظروف مختلفة. لكن تكرار تجربة ربع نهائي مونديال 1998 لا يبدو مستبعداً. كل شيء ممكن مع الإسكندنافيين.