«أن تشعر بالندم يعني أنك حكمت على نفسك بالموت لأنه حتماً سيتمكن منك يوماً ما في لحظة ضعف، فأنت لا تستطيع العودة إلى الوراء وتصحيح ما اقترفته في لحظة طيش. حتى ترفض الموت عليك أن تفكر في الحب وفيمن تحب، فثمة في الحب بصيص أمل».في أيار عام 2005 كان علي عساف ابن السبعة عشر عاماً آنذاك على موعد مع ضربة غيرت له مجرى حياته. يتذكر كيف غادر إلى أفريقيا بحثاً عن مستقبل أفضل من حاضرنا في بلادنا. لم يكن يدري أن سفرته هذه ستغيّر مجرى حياته. سيصير شخصاً جديداً، يجب أن يتكيّف مع حياةٍ جديدة. سوء الحالة الاقتصادية دفع بعلي لترك مدرسته وأهله. كل شيء كان هنا. وبعد مرور قرابة السنة والنصف على رحيله تعرض في أفريقيا لحادثة أفقدته القدرة على المشي والحركة. يسترسل بشرح أصغر تفاصيل الحادثة كما لو أنه حفظها عن ظهر قلب لفرط ما أعادها منذ اثني عشر عاماً حتى اليوم، ومن الصعب أن تلمح على وجهه علامات الحزن.
قبل اثني عشر عاماً ذهب علي في رحلة مع أصدقائه إلى البحر، وهو المغرم «بالسباحة والشك» بحسب ما يقول، صعد على صخرة مرتفعة وقفز ليستيقظ في سرير سيرافقه طيلة فترة حياته. هناك علم أنه لن يستطيع القفز ثانية وحتى المشي أو تحريك أي جزء من جسده سوى عينيه اللتين ظلا يقلبهما متأملاً سقف غرفته في مستشفى جنوب أفريقيا طوال ثلاثة أشهر، هناك حيث خضع لعملية زرع فقرتين في النخاع الشوكي بدل تلك التي كسرت وأدت إلى ما أدت إليه. بضحكة لا تفارق وجهه، يشرح كيف أن النخاع الشوكي يتألف من شعرتين ــ بحسب وصفه ــ إحداهما للحس والأخرى للحركة، وأنه «عندما قفز واصطدم بصخرة أخرى كسرت فقرتين في رقبته وفقد القدرة الكاملة على الحركة». بعد ثلاثة أشهر من العلاج في أفريقيا عاد علي إلى لبنان، لا ليزيل الشوق بينه وبين أهله ووطنه، إنما ليستكمل علاجه، فتوجه مباشرة من المطار إلى مستشفى بيت شباب هناك حيث مكث من عام 2005 إلى عام 2007 ليتابع بعدها علاجه في منزله مستقراً في تلك الغرفة الصغيرة، ومتفرغاً لشغفٍ وحيد وأخير: النجمة.
يرينا علي عساف الفيديو الذي صورته بعض وسائل الإعلام وانتشر عبر هواتف مشجعي نادي النجمة، يوم تقدم منه اللاعب حسن معتوق واحتضنه بعد إحرازه هدفاً في مرمى فريق الإصلاح البرج الشمالي، حيث تقدم نادي النجمة على الأخير بأربعة أهداف مقابل لا شيء. يشاهده مراراً من مختلف نقاط التقاطه من دون كلل أو ملل، ومن ثم يشاهد صوره التي جمعته بجمال الحاج ونادر مطر وغيرهم من لاعبي النادي النبيذي. يفاخر بعلاقته بهذا «النادي العريق»، ويشير إلى أنه «لولا عشقه لهذا النادي لكانت أيامه تشبه لياليه، ولكان ميتاً على قيد الحياة، ولكن الحب نقيض الموت، وأنا أحيا بحبي لهم، النجمة هي حياتي»، يقول.
أما عن بداية علاقته بفريق النجمة، فيملك علي ذاكرة فولاذية ممتلئة بتفاصيل مرتبطة بفريقه المفضل. يخبرنا أنه ورث حبه من والده، الذي كان يصطحبه إلى الملعب وهو في الثالثة من عمره. الأمر الذي استمر معه لحين سفره إلى أفريقيا حيث كان يتابع المباريات هناك عبر التلفزيون. ويعيدنا إلى أول مرة زار فيها أرض الملعب بعد الحادثة، في عام 2012، على كرسيه المتحرك. يذكر يومها أن فريقه فاز على التضامن صور بهدف لصفر، وأنهم لم يسمحوا له بالدخول إلى أرض الملعب. اضطر والده وشقيقه إلى حمله ليجلس في آخر المدرجات: «يومها بدأ اسمي يتداول بين الجمهور». ومن ثم تعرف إلى أحد الصحافيين الذي استطاع أن يؤمن له بطاقة خاصة من الاتحاد اللبناني لكرة القدم تخوله الدخول إلى أرض الملعب. ومنذ ذلك اليوم نشأت علاقة صداقة بينه وبين جميع أعضاء نادي النجمة وحتى جمهوره، وفي كل عام يخصص له الاتحاد بطاقة خاصة لمتابعة المباريات. هكذا، واظب علي على الحضور إلى أرض الملعب ليدعم فريقه المفضل حتى منتصف العام المنصرم، إذ تعرض لوعكة صحية خضع بعدها لعملية جراحية استئصلت فيها إحدى كليتيه بعد توقفها عن العمل، لم يعد علي بعدها قادراً حتى على الجلوس على كرسيه المتحرك. يتوجب عليه أن يبقى مستلقياً، لا يخفي أنه شعر بالاستسلام لفترة ما ولكن هذا الفريق الذي عشقه منذ طفولته كان وفياً معه، فلاعبوه ومشجعوه كانوا إلى جانبه دائماً وكانوا يأتون لزيارته في شكل مستمر. يخبرنا بفرح كيف حضر إلى إحدى المباريات بعد عمليته، بسيارة إسعاف أرسلها له اتحاد كرة القدم.
لا يزال علي حتى اليوم لا يستطيع الجلوس على كرسيه، ولكنه يخضع لعلاج فيزيائي مكثف. وكل ما يهمه هو أن يعود لمتابعة المباريات من أرض الملعب «لا شيء يغريني في هذه الحياة، كل ما أقوم به هو من أجل هذا الفريق، النجمة هي القشة التي أتمسك بها». يتمنى لو أنه يستطيع أن يشجع مثل الجميع، أن يصرخ ويقفز حين يفوزون، وأن يغضب ويشتم في الخسارة... «أن تشجع يعني أن تحرك كل جوارحك، وأنا دمعتي هي جوارحي في الفوز والخسارة، لا أستطيع أن أقدم لهم أكثر لا أملك سوى دمعتي وصلاتي». قبل موعد المباراة يبقى علي عساف مستيقظاً طيلة الليل يدعو بالفوز لفريقه. يصف نفسه بالمجنون «مثل كل من يشجع هذا الفريق» ويختم مبتسماً... «نحنا عشقنا النجمة عشق من الطفولة».