كان من المفترض أن تُرفع راية النصر على العنصرية داخل ملاعب إيطاليا منذ خمس سنوات. حينها، في 13 كانون الثاني 2013 تحديداً، قاد كيفن برنس بواتنغ، لاعب ميلان السابق، زملاءه نحو إلغاء أول مباراة بداعي الهتافات العنصرية، في اللقاء الذي جمعهم مع فريق «برو باتريا»، بسبب صيحات عنصرية رددها بعض مشجعي الفريق الخصم. ربما كانت تلك مجرّد معركة فائزة، إذ إن عودة هذه الظاهرة الشنيعة، تعني أن الحرب لا تزال قائمة، وأنها طويلة!
الزمان: 25 شباط 2018.
المكان: ملعب «مابي ــ شيتا ديل تريكولوري» شمال إيطاليا
الحدث: هتافات عنصرية من مشجعي نادي «أتلانتا» ضد مهاجم «بوروسيا دورتموند» الألماني، البلجيكي ميتشي باتشيواي

الحادثة ليست الأولى في الملاعب الأوروبية هذا الموسم، إلا أنها كانت أكثر تأثيراً من غيرها، ربما لأن شعبية باتشواي على «تويتر» ضخمة. تغريدته المؤلفة من 25 كلمة فقط، كان لها صدى كبير، وحرّكت الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» سريعاً لاتخاذ الإجراءات بحق النادي الإيطالي، على الرغم من أن كثيرين لا يرون أن قاضي اللعبة يفعل ما يلزم للحد من هذه المشاهد في الملاعب. لافتات «لا للعنصرية» التي يحملها اللاعبون قبل انطلاق المباريات، والشعار الذي يضعه قادة الفرق على زنودهم، لا تكفي. العقوبات والغرامات التي يفرضها الفيفا على الأندية، أيضاً، لا تكفي. يقول نيسلون مانديلا إنه «لا يولد الإنسان وهو يكره إنساناً آخر بسبب لون بشرته أو دينه. هو يتعلّم الكره، وما دام يتعلّم الكره، يُمكن أن نُعلّمه الحب». يبدو هذا لطيفاً جداً، ألطف من الواقع بكثير. لكن مانديلا محق، فالثقافة تؤدي دوراً كبيراً في طريقة تفكير الشعوب، وفي أوروبا، أكثر من أي قارة أخرى، العنصرية متفشية، وقد لا يمكن الفيفا وحده أن يحارب هذه الظاهرة القديمة، إلا أن بإمكان هذه القوة العظيمة أن تتعاون مع المسؤولين عن هذه القضايا في دول العالم. ربما، كما لعبت كرة القدم دوراً فعالاً في إيقاف حروب، وتقريب المسافات بين المتنازعين، وتعزيز شعور الإنسانية عند الشعوب، أن تكون، هي أيضاً، طرفاً في إنهاء العنصرية.

روابط الدوريات يتحمّلون المسؤولية
مما لا شك فيه أن الاتحاد الدولي للعبة، والاتحاد الأوروبي من بعده، يتحمّلان مسؤولية كبيرة في عدم تشديد العقوبات على الحالات العنصرية، أو غضّ النظر عن الكثير منها. إلا أن روابط الدوريات، وخاصة الإسبانية والايطالية والفرنسية، تتحمّل ذنباً أكبر في انتشار هذه العدوى على المدرجات، إذ إنها تُظهر انعداماً في النزاهة والأخلاق، لسماحها للأندية والمشجعين بالإفلات من العقاب. أمثلةٌ كثيرة يمكننا ربطها بروابط الأندية، أبرزها في إيطاليا. أبسط مثال، حين شبّه رئيس الاتحاد الإيطالي لكرة القدم السابق، كارلو تافيكيو، لاعب نادي «يوفنتوس» الشهير بول بوغبا، الفرنسي من أصول غينية، بالقرد، فقال: «قبل أن يأتي بوغبا إلى إيطاليا كان يأكل الموز واليوم يلعب أساسياً مع يوفنتوس». حينها، لم تُعاقب السلطات الإيطالية تافيكيو، لكنه لم يفلت من العقاب «السخيف» الذي فرضه الاتحاد الاوروبي عليه، بإيقافه ستة أشهر فقط. مثالٌ آخر: في الموسم الماضي، ترك لاعب «بيسكارا»، الغاني سولي مونتاري مباراة فريقه أمام «كالياري»، بعدما رفض الحكم التعامل مع الهتافات العنصرية التي وجّهت إليه. بدلاً من أن يوقف الحكم المباراة، ولو لدقائق لحلّ الموضوع، وجّه إنذاراً للاعب ميلان السابق بداعي الاحتجاج!
موقع «ميديابار» كشف عن قرارات داخل اللجنة الوطنية للعبة في فرنسا للحدّ من نسبة اللاعبين من أصول أفريقية وعربية

السلطات الإيطالية تعاملت مع مونتاري كأنهم مُجرم، لأنه ترك المباراة بهذا الشكل في دقائقها الأخيرة. أكثر من ذلك، لم يسلم ماريو بالوتيلي، الذي يلعب مع المنتخب الإيطالي، من الهتافات العنصرية. فحتى هذا اللاعب الذي ينحدر من أصول غانية، لم يسلم من التصنيف العرقي، على الرغم من أنّه يمثل بلاد الإيطاليين. هذا اللاعب ترك إيطاليا واتجه إلى فرنسا. هُناك، اصطدم مجدداً بالحاجز العنصري، خلال مباراة فريقه «نيس» مع «ديجون»، ووُجه إليه إنذارٌ في المباراة بسبب احتجاجه. هذه المرة دافع النادي عن لاعبه، وهاجم الحكم بنحو غير مباشر. الأخير اعترف بأن بالوتيلي أبلغه بالهتافات العنصرية، لكنه قال إنه لم يسمعها، «ربما صدرت عن شخصين أو ثلاثة لا أكثر»! رابطة الدوري فتحت تحقيقاً في الموضوع، وبعد مرور نحو شهرٍ على الحادثة، لم يصدر عن الرابطة أي قرار. على بالوتيللي أن يتحمل أيضاً استبعاده عن المنتخب الإيطالي، وتحميله مسؤولية خراب العالم «عالطالعة والنازلة»، فقط لأنه من أصول أفريقية. في فرنسا أيضاً، كان موقع «ميديابار» قد كشف عن وجود قرارات داخل اللجنة الوطنية للعبة في فرنسا، عملت للحدّ من نسبة اللاعبين من أصول أفريقية وعربية بما لا يتجاوز نسبة 30%. بحسب هذا التقرير الذي تناولته العديد من الصحف الفرنسية، مدرب المنتخب الوطني لوران بلان، طلب تحديد عدد اللاعبين المزدوجي الجنسية، إلا أن الأخير نفى أن يكون هذا الكلام قد صدر عنه، فيما أعلنت وزيرة الرياضة شانتال جوانو أن القضية ستفتح للكشف عن تفاصيلها، وأوقفت المسؤول عن سياسة تدريب الناشئين فرونسوا بلاكار بانتظار ما سينتج من التحقيق.



العنصرية تهدد «مونديال 2018»
أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» قراراً يفرض على الحكام إيقاف المباريات أو إلغاءها، ضمن بطولة كأس العالم ــ روسيا 2018، إن كان سلوك الجماهير عنصرياً. هذا القرار بدأ العمل عليه بالفعل في بعض مباريات تصفيات المونديال والمباريات الودية، إذ ينشر الاتحاد مراقبين في المباريات، يرسلون تقاريرهم إلى لجنة الانضباط التابعة للفيفا لعرض الأحداث واتخاذ الإجراءات المناسبة. وكان الاتحاد الدولي قد بدأ إجراءات حازمة تتمحور حول قضايا العنصرية في روسيا، إذ أنذر نادي «سبارتاك موسكو»، بسبب تغريدة على «تويتر» حملت إيحاءات عنصرية، حيث نشر المسؤولون عن موقع النادي الروسي فيديو للاعبَين من البشرة السوداء يلعبان مع الفريق، مرفقين الفيديو بعبارة «انظروا كيف تذوب الشوكولا في الشمس». وقال رئيس اتحاد اللعبة، السويسري جياني إنفانتينو، إن الفيفا سيكون حازماً جداً في حالات العنصرية والتمييز، وإن هذه القضية هي أولوية في مونديال روسيا، وإن هذا النوع من الأعمال لا يُمكن التسامح معه.