كابتن نادي السد ومنتخب لبنان السابق ذوالفقار ضاهر، يعتبر أن «حال الأندية اليوم يعبّر عن وضع اللعبة المأزوم وضعف الاتحاد». يبدأ ضاهر «من الآخر». في حديثه مع «الأخبار»، يقول اللاعب الذي هَجَر كرة اليد في عام 2015 إن «أساسيّات اللعبة مفقودة اليوم في لبنان، فالأندية ينقصها الكثير من الخبرات والإمكانات». والحال أنه هجر اللعبة. انتهى كل شيء بالنسبة إليه. كرة اليد «ترتكز على ثلاثة أمور، وهي الملاعب والمدربون واللاعبون»، يقول. وهي أمور غير متوفرة، فالملاعب غير موجودة إلّا عند ناديين هما الصداقة وحارة صيدا، وهناك نقص كبير بالمدربين اللبنانيين أصحاب الخبرة، كما «أنه ليس هناك مدارس أو أندية تخرّج لاعبين جدداً». ضاهر الذي يعتبر أحد أفضل لاعبي آسيا في السنوات العشر الأخيرة، يستبعد أن تعود فترة المجد التي عاشتها كرة اليد اللبنانية مع نادي السد، الذي كان يرأسه المحامي تميم سليمان ــ رئيس نادي العهد لكرة القدم حالياً ــ إذا ما استمرت سياسة إدارة اللعبة من قبل الاتحاد على هذا النحو.

لحظة جنون

عاشت كرة اليد اللبنانية فترات ذهبية بين 2008 و2013، وتحديداً بعد دخول نادي السد للميدان، وسيطرته على اللعبة محلياً بمنافسة شرسة مع نادي الصداقة. تمكّن السد من رفع لقب أندية آسيا في بيروت عام 2010 بعد فوزه على مضر السعودي، وحلّ ثانياً في مناسبتين عام 2009 عندما خسر النهائي أمام الصليبيخات الكويتي في الأردن، وفي عام 2010 بعد خسارته أمام مضر في الدمام بالسعودية. وكانت أبرز مشاركات لبنان الخارجية حلول السدّ ثالثاً في بطولة العالم للأندية «سوبر غلوب» عام 2010، بالعاصمة القطريّة الدوحة.

لم يقطع نجم اللعبة الأمل نهائياً: «من الضروري الآن البحث عن مستثمرين في اللعبة التي تعتمد بشكل أساسي على المبادرات الفردية، مع ضعف الاتحاد وعدم قيامه بالدور المطلوب منه بالإضافة إلى ضعف الاهتمام الرسمي من قبل الوزارة واللجنة الأولمبية». آمال معلّقة على حبال انتظار. وحتى ذلك الحين، ينصح ضاهر اللاعبين الحاليين خاصة الذي لعبوا مع نادي السد خلال الفترة الذهبيّة وحققوا بطولة آسيا، بالبحث عن فرصة للاحتراف خارج البلاد للحفاظ على مستواهم، وتطوير أنفسهم، «فالواقع لا يبشر بالخير». ينسف الأمل بنفسه، ويعلل ذلك، بأنه «مهما تطور مستواه الفنّي لا يمكنه أن يصبح مدرباً في لبنان فلا أندية ولا دورات تدريبيّة يمكنها تحسين المستوى كما هو الحال في الدول المجاورة وخاصة في الخليج». التدهور الكبير الذي تعيشه كرة اليد بات يؤثر سلباً على اللاعبين الحاليين الذين يبحثون عند بداية كل موسم عن أندية للعب معها، نتيجة غياب أندية وانسحاب أخرى عند نهاية كل منافسة سواء في الدوري أو الكأس. وفي هذا الإطار يعتبر أحد أفضل اللاعبين في لبنان حاليّاً أحمد شاهين أن «واقع اللعبة تعيس جدّاً، فنحن تراجعنا سنوات إلى الوراء ولا يوجد جيل صاعد». لا تختلف رؤيته عن رؤية ضاهر كثيراً. حتى مستوى الدرجة الأولى تراجع كثيراً مقارنة بالسنوات الماضية، والمشاركات الخارجيّة معدومة، حيث كانت آخر مشاركة لمنتخب الرجال قبل ثلاث سنوات خلال تصفيات كأس العالم التي لعبت في البحرين... «وتم حينها تجنيس 5 لاعبين ولم نحقق نتيجة لأن التجنيس لم يكن مدروساً»، يستدرك شاهين.
شاهين لعب لنادي السد خلال الفترة الذهبية، وانتقل بعدها إلى مار الياس حيث أحرز معهم لقب البطولة الموسم قبل الماضي. لكنه يخوض الآن مفاوضات مع فوج إطفاء بيروت «الإطفائية»، للعب بصفوفهم الموسم المقبل. يرى اللاعب «المحبط» أن «الدوري ضعيف جدّاً وكأس لبنان أيضاً». يذكرنا أن اتحاد اللعبة «أشرك أندية مدارس وجامعات بكأس لبنان الماضي من أجل إكمال العدد». يشعر بحزن كبير على ما آلت إليه الأمور: «المدربون غير موجودين، ولا خبرات تدريبيّة تمكّن اللاعبين من التطوير. أنا مدرب وأريد الهروب من اللعبة، فلا أندية ولا منافسة، ولا مجال للعب أو التدريب الجدّي، والفرق تشارك للمشاركة لا أكثر».

()

لاعب السدّ السابق وفوج إطفاء بيروت حاليّاً حسن صقر يذهب أبعد من ذلك. فهو يؤكد في حديث مع «الأخبار» أن اللعبة تراجعت كثيراً، لكنه يضيف إلى يأس زميليه يأساً مضاعفاً... «كان لدينا حلم أن نلعب إلى جانب لاعبين مثل ذوالفقار ضاهر وأحمد شاهين وماهر همدر الذين يتمتعون بمستوى كبير وحققوا نتائج مهمة على مستوى آسيا، أمّا الآن فلا احترام ولا مستقبل بعد أن تحوّل الدوري والكأس الى ما يشبه بطولة الهواة بعد دخول أندية المدارس والجامعات». يعتبر صقر الذي حقق أكثر من لقب محلي مع السد ومار الياس وآخرها الموسم الماضي مع فوج إطفاء بيروت، أن «اللعبة بحاجة إلى مستثمرين والمطلوب دعم من قبل الاتحاد للحفاظ على ما تبقى من اللعبة، فليس هناك ملاعب للتدريب ولا قاعات، وأنه في معظم الأحيان يكون التدريب على ملاعب قصقص وفي حرش بيروت». يتحسر على أيام السد، مؤكداً أنه لو كان السد لا يزال موجوداً لكان حقق بطولة آسيا 5 مرات على الأقل لأن مستواه «كان عالياً جدّاً». كان العمل، برأيه، يتمّ وفق الأصول بالمعسكرات التدريبيّة والمشاركات الخارجيّة. هو الآخر لا يرى حلولاً قريبة، متمنيّاً لو أنه ذهب منذ صغره إلى لعبة أخرى ترضي الطموح ككرة السلة.
يستبعد كابتن منتخب لبنان أن تعود فترة المجد التي عاشتها كرة اليد اللبنانية مع نادي السد


تراجع كبير في مستوى كرة اليد تبرزه النتائج المحليّة والآسيوية، في ظل غياب أي تحرك جدّي، فالاهتمام المنصب على منتخب السيدات ليس من شأنه النهوض باللعبة بحسب العديد من المراقبين، خاصة وأن منتخب السيدات كان له مشاركة غير موفقة في بطولة غرب آسيا الأخيرة التي أقيمت في الأردن. هناك حقّق المنتخب فوزاً يتيماً على حساب المنتخب العراقي، وتعادل مع قطر، فيما خسر في ثلاث مواجهات أمام الأردن بفارق 11 هدفاً، وأمام إيران بفارق 10 أهداف، وأمام سوريا بفارق 8 أهداف.
أكثر من أي وقت، تحتاج اليوم كرة اليد اللبنانية لنهضة حقيقيّة على جميع المستويات. لا مستثمرين في المدى المنظور، والحديث دائماً عن المستثمرين، سببه الأساسي «اليأس» من تدخل الدولة والوزارات المعنية، وعجزها عن تفكيك «المغارات» داخل أروقة الاتحاد. حتى الآن، لم تبدأ الاستعدادات لانطلاق بطولة الدوري، وتحدّثت مصادر عن احتمال عدم مشاركة ناديي مار الياس وحارة صيدا. وبذلك تكون الأندية المعروفة التي ستشارك بالبطولة حتى الآن هي الصداقة، الجيش، المبرة وفوج إطفاء بيروت.