لم يكن النجم الفرنسي السابق ورئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ميشال بلاتيني يوماً بعيداً عن الرئيس الحالي للاتحاد الدولي السويسري جوزف بلاتر، فالأول عمل مستشاراً للثاني وتتلمذ على يديه، قبل أن يقرر الابتعاد عنه من دون أن يسأل أحد عن السبب الذي دفعه إلى الإقدام على هذا الأمر.
لكن من يتابع عن كثب طريقة عمل بلاتيني منذ وصوله الى سدة رئاسة اتحاد «القارة العجوز»، يعلم تماماً أن طموحات الرجل لا حدود لها، وأنه منذ اليوم الأول الذي انغمس فيه بالعمل الإداري وضع نصب عينيه الجلوس على كرسي العرش في أعلى سلطة كروية في العالم.
حتى بلاتر، لم ينتبه ربما يوماً الى أن طموح الفرنسي سيأخذه ليقف في معسكر مناوئ له. لكن هذا الأمر تحوّل إلى حقيقة ملموسة خلال الجولة الأخيرة من انتخابات «الفيفا» وما سبقها، حيث لم يتردد بلاتيني في التصويب على بلاتر ومطالبته بالتنحي مع كل نبأ أسود ضجّ في المؤسسة المنكوبة حالياً، لا بل إنه كان من أكبر الداعمين لحملة الأمير الأردني علي بن الحسين في مواجهة «السلطان» الذي سقطت هالته أخيراً.
المهم أن الصمت الذي ساد مكتب الفرنسي في الآونة الأخيرة لم يكن بسبب تفكيره مليّاً إذا ما كان سيترشح أو لا، فذاك الهدوء سببه الجلسات السريّة التي عقدها رئيس «يويفا» من أجل التأكد بأنه سينجح في مسعاه بعد ترشحه للانتخابات. لذا، واعتباراً من اليوم، لا يمكن سوى التفكير بأن بلاتيني سيكون الرئيس المقبل للاتحاد الدولي، فالرجل لم يكن ليسير قدماً لو أنه لم يضمن النجاح قبل شباط المقبل أي موعد الانتخابات، وذلك بالتأكيد بعد حصوله على كل الضمانات.
لكن هل ترشّح بلاتيني فيه خير للفيفا واللعبة عالمياً؟
الواقع أنه بمجرد أن يكون بلاتيني «تلميذ» الأستاذ الغاطس في مستنقع لا يعرف الخروج منه، يعني أن «الفيفا» سيظل سائراً في نفقٍ مظلم. ففي نهاية المطاف، بلاتيني هو ضمن هذه المنظومة كونه نائباً للرئيس المتهم اتحاده بالفساد الكبير.

قصر الإليزيه
شاهدٌ على صفقات بلاتيني وتركيباته

وبلاتيني أيضاً، بحكم قربه من بلاتر سابقاً يعني أنه تجرّع كل تلك الخدع والطرق الملتوية التي رأى أركان «الفيفا» يعتنقونها منذ فترةٍ طويلة. وبلاتيني أصلاً هو رجل الصفقات والتركيبات، إذ لا يخفى أنه كان الحاضر الدائم في قصر الإليزيه أيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ليكون شاهداً وعراباً في آنٍ معاً على إخراج ملفات خليجية الى الضوء وتأمين سيرها بالشكل الذي أراده أصحابها.
كذلك، لا يمكن أن يكون بلاتيني إلا مرتدياً قناع بلاتر نفسه، فهو بالحنكة نفسها استطاع رسم هالة لنفسه في أوروبا، فأسقط سريعاً كل الصورة الجيّدة التي تركها سلفه السويدي لينارت يوهانسون، وبات سريعاً «صديقاً» لكل الدول الصغيرة كروياً في القارة، بعدما أمّن لها حضوراً في البطولات الأوروبية عبر أنظمة جديدة، ليكسب بالتالي أصواتها في الانتخابات ويبقى رئيساً لـ«يويفا».
الأكيد أن «الفيفا» تحتاج الى قيادة جديدة، مع تحديد شخصيات للقيادة من بلدانٍ كروية عريقة لها تاريخ على الساحة العالمية. وإذ يأتي بلاتيني من بلدٍ كبير في هذا المجال، فإنه سيدخل الانتخابات وسط انتقاداتٍ كثيرة، فهو بطبيعة الحال مسؤول أيضاً بحكم منصبه في «الفيفا»، إذ لا يمكن أن يقول يوماً بأنه لم يكن يعلم بأي شيء يحصل هناك.
سيعبر بلاتيني الى رئاسة الاتحاد الدولي، لكن المستديرة لم تعبر حتى الآن الى شاطئ الأمان، فالخيار الفرنسي هو أفضل الخيارات بالنسبة الى «التحالف الأوروبي»، إذ من جهةٍ تبيّن أن اتحادات أميركا الجنوبية ملوّثة بغالبيتها بالفساد، وبالتالي يُستحال التنازل لها عن منصب الرئاسة. ومن جهة ثانية، كانت الاتفاقية على إبقاء المنصب أوروبياً مع الرجل الأقوى الذي يحظى برضى العرب الآسيويين الذين يملكون كتلة كبيرة في الانتخابات، وبرضى الأفارقة الذين يجد معظمهم أن وصول فرنسي الى سدّة الرئاسة هو انتصار لهم استناداً الى رابط اللغة مع «بلاد الانتداب» السابقة التي ينتمي إليها بلاتيني.
10 على 10 حتى الآن للرقم 10 سابقاً في هندسته لخطة الوصول الى رئاسة «الفيفا»، فهو يصوّب اليوم بدقة تلك التسديدات من الركلات الحرّة التي اشتهر بها أيام كان لاعباً.




الأمير علي ومارادونا أول المنتقدين


سريعاً، وبعد إعلانه ترشحه لرئاسة «الفيفا»، بدأت الانتقادات تنهال على ميشال بلاتيني، وكان أولها من الامير علي بن الحسين، أحد المرشحين المحتملين لمنافسته والذي انتقد ثقافة «الترتيبات السرية».
وقال الامير علي في بيانٍ رسمي: «بلاتيني لا يصلح للفيفا. يستحق أنصار كرة القدم واللاعبون أفضل من ذلك. انغمس الفيفا في الفساد. إن ثقافة الترتيبات السرية ووراء الكواليس يجب أن تتوقف». وأضاف: «الفيفا بحاجة الى قائد مستقل، بعيد عن ممارسات الماضي».
بدوره، لم يكن «أسطورة» كرة القدم الارجنتيني دييغو ارماندو مارادونا راضياً عن ترشّح بلاتيني، وهو الذي يبدو أنه سيتقدّم بترشيحه رغم أن حظوظه ضعيفة، فشنّ هجوماً عليه بقوله: «كفى فساداً، كفى سرقة»، ليجدّد انتقاده للفرنسي، وهو الذي قال: «يجب أن يوضح بلاتيني المباريات الـ187 التي تلاعب بنتائجها».