غابت أخبار «السلطان» أخيراً. لم نعد نسمع تصريحاته المثيرة للجدل ولا كلماته وتعليقاته أمام كاميرات التلفزيون. ذات مرة، يقول: «يمكنني أن ألعب في 11 مركزاً لأن اللاعب الجيّد يمكنه فعل ذلك». أين أصبح إيبراهيموفيتش اليوم وفي أيّ مركز يلعب. لم نعد نسأل «هل شاهدت ما فعله زلاتان؟»، يبدو أن جوزيه مورينهو الذي أنهى مسيرة «القديس» كاسياس وأعاد لوكاكو إلى أحضانه نادماً، ولم يؤمن بقدرات صلاح، وضع السلطان خارج حساباتِه. ولكن «محرقة» اللاعبين البرتغالية لا يمكنها أن توقف اسماً لطالما لمع في سماء أوروبا وكان محط الأنظار.
="" title="" class="imagecache-250img" />
تصميم عماد خالدي | للصورة المكبرة انقر هنا

زلاتان كما النبيذ. كلما تقدم سناً ازداد أهمية. والدليل القاطع على ذلك أنه جاء إلى مانشستر يونايتد في سن الرابعة والثلاثين. وفي موسمه الأول سجّل 17 هدفاً لكنه في الدوري الإنكليزي في دوري يقال إنه الأصعب في العالم من حيث الأداء البدني (وهذا مُبالغ فيه بطبيعة الحال) و28 هدفاً في كل المسابقات. تعرض لإصابةٍ أبعدته عن الملاعب ولكنه ورغم كبر سنه عاد بعد 212 يوماً. وعند دخوله شهدت مدرجات مسرح الأحلام تصفيقاً مهولاً كما لو أن جورج بيست عاد إلى الحياة. كما لو أنايريك كانتونا سجل مجدداً. «الإيبرا كا دبرا» ظهرت. وفي تلك المباراة ظهر وكأنه كان في إجازة وليس كلاعب عاد من الإصابة. وعند سؤاله بعد المباراة، وتعليقاً على كيفية تعافيه من الإصابة الخطيرة في الركبة بهذه السرعة ردّ كعادته ساخراً «لأن الأسود لا تتعافى من الإصابات مثل الأشخاص العاديين». لكن الواقع مختلف: لم يشارك إيبرا هذا الموسم إلا في 119 دقيقة في كل البطولات امتدت على 7 مباريات كان في 5 منها كاحتياطي.
طائر السويد المهاجر ابن 36 عاماً الذي صال وجال في الملاعب العالمية وفي الدوريات الأوروبية، بداية من آيكس، يوفنتوس، إنتر، برشلونة (التجربة الأقل عطاء لكن أرقامه كانت جيدة)، ميلان، ثم باريس سان جيرمان ومانشستر، ويبدو أنه سيحط رحلة هجرته في الولايات المتحدة خصوصاً بعد حديث البرتغالي جوزيه مورينيو عن احتمال رحيل إيبراهيموفيتش في الصيف، جعل اللاعب يحدّد وجهته المقبلة بعد الشياطين الحمر وهي أميركا، النجم السويدي رحب بالفكرة مشيراً إلى أن اللعب في الدوري الأميركي مغرٍ، ومدينة لوس أنجلوس مدينة رائعة.
رحيل زلاتان هذا إلى لوس أنجلوس غلاكسي ليس عبثياً، إنما هو محاولةٌ للاستعداد لكأس العالم في روسيا بعد تأهل السويد. فالصُحف الأوروبية تناقلت الأخبار عن عودة محتملةٍ لإيبرا عن قرار اعتزاله، ليأتي الردّ من اللاعب نفسه منذ أيام بصورة نشرها على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» مع نجم برشلونة سابقاً السويدي هنريك لارسون كَتب عليها «نحن جاهزون للمونديال». وعلى طريقة زلاتان فإن المونديال جاهز لزلاتان وينتظره وليس زلاتان من ينتظر المونديال.

رغم كبر سنه عاد بعد 212 يوماً. وعند دخوله شهدت مدرجات مسرح الأحلام تصفيقاً مهولاً
سيكون من الممتع جداً النظر ومشاهد زلاتان في مونديال أخير حتى لو لم يقدّم الكثير إلّا أنها ستكون فرصة مثالية للاعتزال واختتام مسيرته، زلاتان الذي لا يشيخ أبداً إنما يتجدّد شبابه سنة بعد سنة. ذلك لا يلغي صوابية الفرضية التي تقول إن السويد بدونه لعبت أفضل، خاصةً مع صانع الألعاب الموهوب إميل فورسبرغ. ولكنه إيبرا.
كثرٌ قد يكرهون زلاتان بسبب شخصيته الفوقية والغرور الذي يتصف به. في كتاب سيرته الذاتية برّر لم يتصرف بهذا الشكل. يقول إنه فخور جداً بأنه أنقذ نفسه من الضياع والانصياع إلى الشارع وراء كل ما قد يفسد الإنسان. يتحدث عن طفولته الصعبة فأبوه كان مدمناً على الكحول وشخصية أمه كانت ضعيفة. كان والده بوسنياً ووالدته صربية، وكلاهما مهاجر وهارب. عاش في وسط عائلة متوترة. تطلق والداه عندما كان عمره عامين فقط، وقضى طفولةً صعبة في منطقة روزينغارد المأهولة بالمهاجرين. ووفقاً له، فقد كان لصاً في طفولته و«أزعر» في مدرسته، لكنه طورّ موهبةً للعب كرة القدم متغلباً على نشأته الصعبة ليصبح نغمة تصدح في كل أرجاء أوروبا، محققاً رقماً قياسياً في عدد بطولات الدوري التي فاز بها في خمس دول أوروبية مختلفة (إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، هولندا، السويد). إنه «السلطان» على عرش قلوب السويديين، ولا يمكن أن يقولوا له «لا»، حتى ولو كان ذلك على حسابهم.