بدأ ابن «المقاولون العرب» المصري بممارسة هوايته ولعبته المفضّلة في سن السابعة. كانت الأرض الرّملية ملعبه الأول. كرة القدم كانت مجرّد لعبة، كما في الضواحي. الحاضر كان حلماً بعيداً. عند بلوغه الرابعة عشر، اقتنع بأن كرة القدم، ستكون أكثر من لعبة. صارت شغله الشاغل. وكان نادي بسيون المصري أوّل فريق يلعب له. لكن ليس بما نعرفه الآن. بدأ مع بسيون في مركز الظهير الأيسر مرتدياً الرقم 3. نجاحاته الأولى كانت على حساب تضحيات كانت تقوم بها العائلة لتوفير ما قد يمكن توفيره لمحمد لينطلق في مسيرته الكرويّة. خمسة حافلات كانت هي محطّاته للوصول إلى مركز النادي ليتدرّب، «المواصلات ما كنتش أحسن حاجة وقتها»، يقول في إحدى مقابلاته بلكنة مصرية محببة. مشجّعو نادي الأهلي لديهم ذكرى ليست بالجميلة مع النجم المصري، حيث كان أول هدف لصلاح ضد النادي الأكبر في أفريقيا ومصر، نادي الأهلي. كان صلاح حينها لم يتم الثمانية عشر من عمره، يلعب في ناديه المقاولون العرب، أن تحرز هدفاً ويكون هذا الهدف في مواجهة الأهلي، فهذه لحظة وشيء جميل وكبير جدّاً كما وصفه صلاح، كان هذا الهدف يعدّ كالانطلاقة بالنسبة له، ومن الأسباب التي زادت من شهرته في مصر.من شهرته في مصر ننتقل إلى شهرته في سويسرا. فتح بوّابة أوروبا عند توقيعه لأول عقد احترافي مع نادي «بازل». كانت قيمة صفقة انتقال محمد صلاح من المقاولون العرب إلى النادي السويسري تصل إلى 2.5 مليون يورو، وكانت أغلى صفقة يقوم بها نادي المقاولون في تاريخه. في سويسرا لاقى بعض الصعوبات، تحديداً في التواصل مع الطاقم ومع اللاعبين. وصل إلى هناك وهو يتكلّم العربيّة فقط. أخذ دروساً في اللغة الإنكليزية والسويسرية ــ الألمانية، منذ أن حطّت قدماه في بازل. لغة الكرة كانت سهلة بالنسبة له، لا تعتمد على المفردات الصعبة، كانت العلاقة مع المدرب وإيصال الأفكار فيما بينهم أمراً وصفه بالسّهل.
في إحدى ليالي دوري أبطال أوروبا، أوقعت قرعة التصفيات فريق بازل السويسري مع فريق «مكابي تل أبيب» الإسرائيلي. لقاء الذهاب كان في سويسرا. انتهى بفوز أصحاب الأرض لهدف نظيف أحرزه نجم المباراة آنذاك المهاجم السويسري ستوكر. صلاح لم يكن نجم المباراة، ولكنه كان نجم الصّحافة العربية. مع بداية أيّة مباراة، يقوم اللاعبون بمصافحة بعضهم البعض. صلاح في هذه المباراة، تظاهر حينها بأنه مضطّر إلى الذهاب إلى غرفة تبديل الملابس لربط حذائه، متجنّباً بذلك مصافحة لاعبي الفريق الآخر. لم يعترف بالعدو.

بعد اكتسابه للخبرة، ومروره على العديد من الأندية الأوروبيّة، قرّر صلاح أن يتحدّى نفسه من جديد. أن يعيد تجربة الدوري الإنكليزي

سنتان كانت المدّة التي فصلت صلاح عن عالم كل لاعب كرة قدم في الوقت الحالي يحلم في الوصول إليه اليوم. الدوري الإنكليزي الممتاز. بعد عطائه الملفت في سويسرا وحصوله على جائزة أفضل لاعب في الدوري سنة 2012، أو لننقل الأمور كما هي، بعد هدفيه في تشلسي ضمن بطولة دوري أبطال أوروبا، حيث سجّل الفرعون المصري حينها هدفاً في الذهاب وآخر في الإياب، ارتفعت قيمة اللاعب. دقّت ساعة الموسم التي انتهى عندها. رفع جوزيه مورينهو سمّاعة الهاتف واتصل بمحمد صلاح. مرحلة تشلسي لم تكن بالفترة الجميلة والجيّدة بالنسبة لـ«أبو مكة». قضى أغلب الوقت جالساً على مقاعد البدلاء. على الرّغم من الدور الثانوي لصلاح في النادي الإنكليزي، إلا أنه دائماً يتحدّث بالطريقة الأمثل عن مدرّبه في تلك الفترة. الصحافة قاسية هناك، لم تترك منه علّة إلا وتكلمت عنها. سيندمون لاحقاً.
بعد تشلسي، كانت الوجهة إيطاليا: فلورنسا الساحرة. إلى «الفيولا»، فيورنتينا وعاصمتها فيرنزي. «ايطاليا وجمهور إيطاليا شبهنا جدّا، والعالم هناك عالم جميل، إرتحت ولقيت نفسي فإيطاليا»، يردد دائماً. رغم ذلك يصف صلاح الدوري الإيطالي بالدوري العنيف. يساعد على تقوية البنية الجسدية، لكن الحياة هناك دميلة. وكأن بالشعب الإيطالي على عفويّته وتعاطيه مع الناس يقرّب صلاح أكثر منهم ويذكرونه بمصر وبفكاهة الشعب المصري. فترة فيورنتينا بالنسبة إلى النجم المصري كانت من أفضل فتراته، أو بمعنى أدق هي الفترة التي أعادته إلى الواجهة من جديد، مسيرته الكروية بعثت مرة أخرى بعد أن مرّ بتجربة سيّئة في تشلسي. علاقة محمد مع الجمهور الإيطالي كانت علاقة طّيبة، كانت جماهير فيورنتينا تنادي وتهتف «Sala Sala Sala». ستة أشهر كان المدة التي قضاها صلاح في الـ«أرتيميو فرانكي» (ملعب فيورنتينا) مسجّلاً ستة أهداف في ستة عشر مباراة لعبها أساسي وكبديل.
نبقى في إيطاليا، هذه المرّة في عاصمتها، كان موسم 2015-2016، هو الموسم الذي انتقل فيه صلاح من تشلسي إلى نادي الذئاب على سبيل الإعارة. روما. ربما يمكننا أن نقول إنّها الفترة الأكثر نضوجاً للاعب المصري في مسيرته الاحترافية، سجّل أكبر عدد من الأهداف. كان قميص حامل الرقم 11 هو القميص الأكثر مبيعاً في روما من بعد ملكها «توتي». يعني الكثير لصلاح امتنان هذه الجماهير وتعلّقها به، حيث كان من أنجح الصفقات التي قام بها النادي في الموسم نفسه. علاقته كانت مميّزة مع كل من إيدين دزيكو اللاعب البوسني والبلجيكي ناينغولان والهولندي كيفن ستروتمان، مبرراً ذلك بأنهم أكثر اللاعبين إتقاناً للغة الإنكليزية في الفريق مما ساعده ذلك للتواصل معهم. انتهت فترة الإعارة التي كانت مدّتها سنة واحدة، ما كان من روما إلّا أن يفعّل شرط الشراء الذي كان في العقد مع نادي تشلسي. لم يندم روما على هذه الخطوة أبداً. لم تعلم الإدارة أنها قد اشترت أفضل لاعب في الفريق في الموسم الذي سيأتي، وبالفعل، بعد موسم مزدهر بالأهداف وبالتألق على الصعيد الفردي، نال صلاح ثمرة جهوده بحصوله على جائزة أفضل لاعب في نادي روما لسنة 2016.
بعد اكتسابه للخبرة، ومروره على العديد من الأندية الأوروبيّة، قرّر صلاح أن يتحدّى نفسه من جديد. أن يعيد تجربة الدوري الإنكليزي، ولكن كان هذه المرة من بوّابة أحد أعرق الفرق الإنكليزية والأوروبية. ليفربول. كانت الصفقة الأغلى في تاريخ النادي، وأن تكون أنت من تكلّف نادياً بحجم نادي ليفربول خزينته حوالى الـ45 مليون يورو، وأن تصبح اللاعب الأغلى في تاريخ نادي التاريخ فهذا ليس بالتحدي السهل بالنسبة لصلاح. ملعب الأنفيلد ترحّب أجواؤه دائماً بكل من يأتي ويريد أن يلعب لهذا الشعار ولهذا النادي. أجواء الملعب من الأجمل في أوروبا وتحديداً عند بداية أية مباراة، عندما يقوم الجمهور بغناء الأغنية الشهيرة ونشيد فريقهم «لن تسير وحدك أبداً». في ليفربول، اليوم، سيمشي «أبو صلاح» إلى جانبك.
لم يسر صلاح وحيداً، بل كان يتلقى الدعم المعنوي من زملائه في الفريق مثل السينيغالي ساديو ماني والبرازيلي فيليب كوتينيو، حيث كانوا يمدّونه بالكرات وبالتمريرات الحاسمة مساعدينه في التأقلم وفي الدخول في الفريق. لم نعد نتكلم عن أي لاعب عادي، وليس عن أغلى لاعب في الفريق، بل وأكثر من ذلك، الحديث عن صلاح يعني الحديث عن ثاني هدّافي الدوري الإنكليزي حاليّاً بـ22 هدفاً. يأتي اسم محمد بعد أحد أفضل المهاجمين في العالم حالياً، هاري كاين بثلاثة وعشرين هدفاً للإنكليزي.
محمد صلاح لم يعد هذا النجم الأبرز العربي في الملاعب الأوروبية. الحلم طويل، وموسكو على الطريق.