لطالما وصف محبو ريال مدريد ناديهم المفضل بالأعظم والأقوى في العالم. وهو وصف لم يكن مصدره السيطرة التاريخية القديمة للريال على الكرة الأوروبية، أو تربعه في الموسمين الأخيرين على عرش «القارة العجوز» وحسب. تحول النادي إلى مثال في النجاح الفني والمؤسساتي، بحيث اقترنت نتائجه وألقابه بشهرة واسعة وأرباح كثيرة.
من هنا، ذهبت أندية كثيرة في طموحاتها لبلوغ المجد إلى اتخاذ النادي الملكي مثالاً عن المؤسسة الكروية الناجحة. ومن هذه الأندية كان باريس سان جيرمان في العصر الحديث، وهو الذي ينافس ريال مدريد اليوم على التاج الأوروبي الكبير، بعدما بدأ منذ سنوات استنساخ ما يمكن تسميته بـ «التجربة المدريدية».

أبعد من مشروع كروي

ما يعيشه باريس سان جيرمان هذه الأيام ليس وليد الموسم الحالي. الضجة التي عرفها هذا النادي تعود إلى سنوات، قبل وصول النجم البرازيلي نيمار من برشلونة بصفقة قياسية (بلغت 222 مليون يورو) في الصيف الماضي. وهنا، مخطئ من يعتقد أن مشروع النادي الباريسي له شق كروي فقط. منذ عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بدأ العمل على جعل فريق العاصمة الفرنسية جذاباً، ليعكس فعلاً وجه باريس «الأنيق». من هنا، كان لساركوزي إلى جانب الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي، ميشال بلاتيني، دور في ترتيب صفقة انتقال سان جيرمان إلى الملكية القطرية. ظهرت الأموال، وهكذا بدأ المشروع الكبير. الهدف الأساسي: السيطرة على أوروبا.
وكما ربط ريال مدريد نفسه كممثل فعليّ للعاصمة الإسبانية رغم تعدد الأندية فيها، فإن باريس سان جيرمان ذهب إلى ربط نفسه بالعاصمة الفرنسية كمرجع يعكس قِيَمها، وصورتها المبنية على المثالية في المجتمع والبنى التحتية، كما يقول الفرنسيون دائماً. كان العمل في بداية المشروع على تجديد ملعب «بارك دي برانس» بالشكل الذي يتلاءم مع الصورة العصرية للنادي الطامح للوقوف كعملاق كروي خارج الحدود الفرنسية.
وجاء إطلاق شعار «هنا باريس» كدلالة واضحة على أن سان جيرمان أراد وضع نفسه كمرجعية فعلية للكرة الفرنسية، من خلال جعل العاصمة مركز قرار كروي أيضاً بغض النظر عن وجود فرق عريقة أخرى في فرنسا، كمرسيليا وموناكو وغيرهما. تاريخياً الفريقان الأخيران لديهما إنجازات أكبر من الفريق الباريسي على الساحة الأوروبية.

الأقوى في السوق

منذ موسم 2011-2012 ومع اقتحام باريس سان جيرمان السوق بقوة، بدأت ملامح ريال مدريد تظهر في نادي العاصمة الفرنسية. كان ضم النجم الإنكليزي ديفيد بيكام وبعده السويدي زلاتان ابراهيموفيتش من دلالات السعي نحو نسخ تجربة «لوس غالاكتيكوس» الشهيرة. تعزّز الأمر مع الوصول إلى الصيف الماضي حيث وصل الـ PSG إلى مرحلة بات فيها يخطف فيها النجوم من أمام الريال، فحطّ «حلم مدريد» القديم – الجديد، نيمار، في باريس، التي انتقل إليها كيليان مبابي أيضاً رغم إصرار رئيس النادي الملكي فلورنتينو بيريز على ضمه. منذ الصفقة الكبيرة الأولى كان السؤال: هل باريس سان جيرمان هو النادي الأغنى في العالم؟ بالتأكيد هو بين الأوائل في التبذير، لكنه ليس الأغنى. هدفه أن يصبح كذلك، لا بل أن يتخطى ريال مدريد. وهذه المسألة يمكن أن تُترجم واقعاً مستقبلاً إذا ما اقترنت بالنتائج الجيدة محلياً وأوروبياً، ما يعني نجاح العملية الاستثمارية في اللاعبين النجوم. وتأتي الأرقام لتشير إلى إمكان الوصول إلى استثمار ناجح على هذا الصعيد/ استناداً إلى الإمكانات المالية المتاحة. النادي يبدأ سنته بالحصول على 200 مليون يورو من قطر للسياحة مثلاً. وهو مبلغ غير بسيط ويمكن الانطلاق منه لضم المزيد من النجوم.

باريس عاصمة الأناقة

بدوره، ريال مدريد الذي يعدّ مثالاً أيضاً في تظهير صورته كنادٍ أنيق وعصري، ليس الوحيد الذي يتمثّل به باريس سان جيرمان. ينظر إلى مؤسسات رياضية أخرى كمرجعيات للنجاح الفني والنوعية الاستثنائية في تقديم نفسها إلى العالم، أمثال مانشستر يونايتد الإنكليزي، نيويورك يانكيز الأميركي (بايسبول)، ومواطنه لوس أنجلس لايكرز (كرة السلة)، وفيراري (رياضة السيارات). وهذه المؤسسات تجمع بين النجاح الرياضي وتظهير قِيَم المدن التي تمثلها وقيمتها أيضاً. أراد الباريسيون أن يكون ناديهم صورة عن الأناقة والجمال، وهي الانطباعات التي تتركها العاصمة الفرنسية لكلّ زائر لها، فكان العمل على جعل الحاضرين في «حديقة الأمراء» يشعرون بأنهم في فندق خمس نجوم. لكن كل هذا لا يملك قيمة من دون تأسيس فريق ناجح وقوي، فكان باريس سان جيرمان الحالي. ذلك لا يلغي أن الجماهير، في باريس، تعكس بالضرورة «الترف» المالي في الفريق. الجماهير جماهير. أما الفريق، فآلة رأسمالية ضخمة.

اختصار الزمن

مشروع باريس سان جيرمان للوصول إلى القمة يسابق الزمن، إذ ما فعله ريال مدريد في بداياته طوال 50 سنة للوصول إلى الكمال وتنصيب نفسه القوة الكروية الأعظم، يريد الـ PSG اختصاره بخمس سنوات من العمل لصناعة تاريخ مجيد وتأسيس مجتمع مؤمن وشغوف به، ووضع نفسه بين مراكز القوى في أوروبا. لكن ضمنياً يعرف المسؤولون القطريون – الباريسيون، بأن المشروع سيكون غير مكتمل من دون تحقيق الهدف الأسمى على أرض الملعب أي الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا هذا الموسم. بُني فريق منافس، يضم نجوماً خَبِروا الساحة القارية وساحاتها. ورغم القرعة الصعبة سيحصلون على فرصة التأكيد بأن تجربة نسخ مدريد نجحت لا بل تتخطاها نجاحاً من خلال تخطي «الميرينغيز»، في دور الـ 16 للمسابقة القارية الأم. الهدف: ترك رسالة إلى كبار أوروبا الآخرين بأن كارثة «كامب نو» في الموسم الماضي حيث سطّر القطب الآخر في الكرة الإسبانية برشلونة تلك «الريمونتادا»، الشهيرة، لم تكن سوى محطة مأسوية، لم تقضِ على الطموحات «الرأسمالية» لفريق العاصمة الأثيرة.