تشير كل الارقام الى ان اندية الدوري الانكليزي الممتاز لكرة القدم كانت الاكثر جنياً للاموال خلال الموسم المنقضي. هذه الاندية، وتحديداً الكبيرة منها، تتمتع اصلاً بثروات كبيرة وبميزانيات ضخمة لشراء حاجياتها في آنٍ واحد.
من هنا، تبدو الاندية الاوروبية في حالة اعلان طوارئ لاستقطاب اللاعبين الذين تريدهم، وذلك قبل ان يستفيق الانكليز ويبدأوا في اكتساح السوق الصيفية، تماماً كما فعلوا في الصيف الماضي، ما نقل الرقم القياسي لأعلى صفقة في التاريخ الى ملاعبهم عندما ضم مانشستر يونايتد لاعب الوسط الفرنسي بول بوغبا من يوفنتوس الايطالي مقابل 105 ملايين يورو.
الآن تستعد هذه الاندية مجدداً لشنّ هجومٍ واسع باتجاه البطولات الاوروبية الوطنية الاخرى، حيث ستبتاع ما يحلو لها، غير آبهة بالاسعار المرتفعة للاعبين، بل لما ترصده من نجاح في الموسم المقبل.
لكن الواقع ان تجربة الموسم الاخير عكست تلك المقولة القديمة التي اعتدنا سماعها في عالم الفوتبول وهي: المال ليس وحده سر النجاح.
هو ما حصل فعلاً في حال اخذنا البطولة المحلية كمثالٍ واضح، اذ يعلم الجميع ان تشلسي بطل الدوري لم يصرف بقدر ما فعل مانشستر سيتي وجاره مانشستر يونايتد مثلاً، لكنه تفوّق على قطبي المدينة الشمالية وسار نحو منصة التتويج.
كذلك، تعكس مسابقة دوري ابطال اوروبا مدى فشل استراتيجية التبذير من دون ايجاد التوازن المطلوب، إذ كان ليستر الذي بات أمثولة في تغليب الاجتهاد على المال، الوحيد الذي بلغ الدور ربع النهائي في المسابقة القارية، علماً بأنه رغم فوزه بـ"البريمير ليغ" في الموسم قبل الماضي، فإنه صاحب الميزانية الاقل بين كل الفرق الانكليزية التي شاركت في "التشامبيونز ليغ".

التضخّم الحاصل
في أسعار اللاعبين تتحمّل مسؤوليته الأندية الإنكليزية

المهم ان الاندية الانكليزية تعود في سوق الانتقالات الصيفية الى لعبة القمار نفسها، حيث نجح البعض فيها وقطف ثمارها، امثال تشلسي الذي لم يتردد في دفع 34 مليون يورو للتعاقد مع الفرنسي نغولو كانتي من ليستر، ليكون الاخير الحجر الاساس في تشكيلته الذهبية، ما منحه لقب لاعب الموسم. في المقابل، دفع جاره توتنهام هوتسبر المبلغ عينه لضم فرنسي آخر هو موسى سيسوكو، لكن الاخير لم يلعب اساسياً الا في 12 مباراة ضمن المسابقات المختلفة!
هي الاموال الوفيرة التي تدفع اندية انكلترا إلى الدفع باستهتار، فها هو مانشستر سيتي يوزّع شيكاته مجدداً، فكسر الرقم القياسي لانتقال أغلى حارس مرمى عندما ضم البرازيلي إيدرسون من بنفيكا البرتغالي مقابل 35 مليون جنيه استرليني (40 مليون يورو)، آملاً أن يكون الاخير بنصف قدرات صاحب الرقم القياسي السابق (في حال اخذنا الجنيه معياراً) الايطالي جانلويجي بوفون (انتقل من بارما الى يوفنتوس عام 2001 مقابل 32.6 مليون جنيه، وكانت تساوي عامذاك 53 مليون يورو) لينهي بالتالي مشاكله بين الخشبات الثلاث. كذلك، صرف المبلغ عينه تقريباً لضم البرتغالي برناردو سيلفا من موناكو الفرنسي رغم عجقة لاعبي الوسط في صفوفه.
صفقات مثل هذه فيها مخاطرة كبيرة، تماماً كتلك التي يرصدها ارسنال وتتمحور حول الفرنسي الشاب كيليان مبابي، وهي تقارب 98 مليون يورو، إذ رغم موهبة الاخير، فإن صعوبات الدوري الانكليزي ليست خافية على أحد، والدليل ان مواطنه أوليفييه جيرو الذي كان مرعب الحراس والمدافعين في "ليغ 1" لا يزال يتخبط لإيجاد نفسه في تلك البطولة الصعبة التي وصل اليها قبل خمسة اعوام.
الحقيقة ان ما تحتاج إليه الاندية الانكليزية هو مديرون فنيون مدركون لعمليات التخطيط غير الخاسرة، قبل تنفيذ رغبات المدربين الذين لا يشبعون من صرف الاموال يميناً ويساراً، بل جلّ ما يهمهم هو نجاحهم، بغض النظر عن مستقبل الاندية او اللاعبين الذين يكدسونهم أحياناً فيقضون عليهم.
ختاماً، لا ضير في القول إن التضخم الحاصل على صعيد اسعار اللاعبين في عالم كرة القدم حالياً، تتحمل مسؤوليته الاندية الانكليزية قبل اي احدٍ آخر، ولن ينصفها تجاه ما تفعله سوى بسط سيطرتها قارياً، وتحديداً في دوري الابطال، تماماً كما فعلت الاندية الاسبانية في الماضي القريب.