أول من أمس، بعد انتهاء المباراة بين يوفنتوس الإيطالي وضيفه موناكو الفرنسي في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا ومغادرة الجميع أرض الملعب، بقي جيانلويجي بوفون وحده على العشب الأخضر. راح يركض بسنواته الـ 39 نحو الجمهور محتفلاً، بدا كما لو أنه في سن الـ 19. فعلاً لا يزال "جيجي" في الـ 19.

روحه لا تزال تضج بالشباب. هذه هي نقطة قوّته التي جعلته يبقى صامداً طوال كل هذه السنوات مقلّباً الصفحات وراسماً الابتسامات ومسطّراً الإنجازات وقائداً للانتصارات.
عاش بوفون حلاوة الفوز على أنواعه. أحرز أكثر من مرة لقب الدوري الإيطالي وكأس إيطاليا والسوبر الإيطالية ورفع كأس العالم صيف 2006 في ألمانيا عندما قاد "الآتزوري" نحو اللقب مقدّماً بطولة مميزة، حيث لم تتلق شباكه سوى هدفين في 7 مباريات، لكن وحدها تلك الكأس الفضية لا تزال تنقص خزائنه. وحدها "التشامبيونز ليغ" لا تزال حلم بوفون.

لم يخف بوفون أن التتويج بـ {التشامبيونز ليغ» يمثّل شيئاً كبيراً له



هذا الحلم الذي لم يخفه "جيجي" نفسه قبل أيام، حيث أكد أن إحراز اللقب الأوروبي يمثّل شيئاً كبيراً بالنسبة إليه، وهذا ما يترجمه هذا الحارس الفذّ على أرض الملعب. إذ لا يزال محتفظاً بقدراته وثباته وتصدياته الخارقة وتركيزه الكبير، رغم الكبر ومواجهته لاعبين شبان مفعمين بالحيوية والنشاط، ونجوماً أفذاذاً.
لا يزال بوفون كما هو. لم يتبدّل قيد أنملة. لم تغيّره السنون. اللافت في هذا الحارس هو حفاظه على طموحه الكبير لتحقيق الانتصارات والاستمرار حتى مونديال 2018 في روسيا الذي في حال خوضه له سيكون أول لاعب في التاريخ يشارك في 6 بطولات لكأس العالم، وذلك بعدما حقق رقماً لافتاً أيضاً في آذار الماضي باحتفاله بخوض مباراته الـ 1000.
أما اللافت أكثر فهي شخصية بوفون التي تحظى باحترام وإعجاب الجميع والتي لم تتبدل، إذ تراه مبتسماً رغم الخسارة، وتراه عند الفوز بعد المباريات يحتضن الخصوم كما حصل أول من أمس في قبلته على رأس كيليان مبابي موهبة موناكو، وكذلك أخلاقياته العالية، إذ فضلاً عن نظافة لعبه في الملعب وعدم اعتراضه على الحكام، فإنه لا يقل شأناً خارجه وهذا ما أظهره على سبيل المثال قبل أيام قبل المباراة أمام الجار الغريم تورينو في الدوري المحلي عندما دعا جماهير يوفنتوس إلى احترام الفريق المنافس نظراً إلى سخريتها منه عندما استعادت حادثة تحطم طائرة تورينو عام 1949.
صحيح أن بوفون تلقى هدفاً في المباراة أمام موناكو من مبابي، رغم أنه لا يتحمل مسؤوليته ولم يقدّم مباراة مثالية كما الحال في الذهاب عندما وقف كالوحش في وجه لاعبي فريق الإمارة، لكن هذا الهدف جاء بعدما حافظ "جيجي" على نظافة شباكه طيلة 689 دقيقة متلقياً حتى الآن 3 أهداف فقط وهذا رقم لافت يعكس البطولة الرائعة التي يقدمها بوفون.
الرائع أكثر من كل ذلك هو أن يلعب فريق بكامله من أجل إدخال الفرحة على قلب لاعب لطالما كان سبباً لها. هذا ما هو حاصل مع بوفون فعلياً في الوقت الحالي، إذ لم يخف مدربه ماسيمليانو أليغري أمس أنه يريد الفوز بلقب دوري الأبطال لإهدائه لبوفون، وهذه هي الحال مع لاعبي "اليوفي"، وهذا بحد ذاته له دلالاته الكبيرة والمعبّرة.
الآن، بات بوفون في النهائي الذي سيقام في 3 حزيران المقبل. هو النهائي الثالث لهذا الحارس بعد 2003 و2015. قلوب كثيرة في تورينو وخارجها تخفق مع بوفون. يستحق جيانلويجي في ختام المشهد أن يرفع الكأس في ملعب كارديف. تستحق المسيرة الحافلة لهذا الحارس الكبير مثل هذا التقدير.