ثمة مفارقات في كرة القدم، وفي كوبا اميركا كانت إحداها، إذ قبل 17 عاماً بالتمام والكمال وتحديداً في 21 حزيران 1998، في مونديال فرنسا، كان المنتخب الأرجنتيني يخوض مباراة أمام جامايكا في دور المجموعات وقد انتهت النتيجة بفوزٍ كاسح لمصلحته بنتيجة 5-0. في 21 حزيران 2015 كان المنتخبان يلتقيان في دور المجموعات، لكن في بطولة «كوبا أميركا»، حيث فازت الأرجنتين بهدفٍ نظيف فقط، برغم أن المنتخب الحالي لجامايكا لا يُقارن بذاك الذي عرفته البلاد في 1998 ويكفي أنه كان حينها يشارك في كأس العالم. مفارقة معبّرة لا شك. صحيح أن منتخب الأرجنتين في مونديال فرنسا كان يضم تشكيلة رائعة بوجود نجوم على شاكلة غابريال باتيستوتا وأرييل أورتيغا وخوان سيباستيان فيرون وروبرتو أيالا وفرناندو ريدوندو وغيرهم، لكن لاعب اسمه ليونيل ميسي لم يكن حاضراً وقتها، وهو في التشكيلة الحالية، وهذا، وحده، مدعاة لأن تكون التشكيلة التي تحوي هذا النجم الساحر «غير عادية»، وخصوصاً إذا ضمت أيضاً أسماء مميزة مثل خافيير ماسكيرانو وغونزالو هيغواين وأنخل دي ماريا وكارلوس تيفيز وخافيير باستوري وإيريك لاميلا وسيرجيو أغويرو (لم يشارك ضد جامايكا بداعي الإصابة).

اذا تركنا المقارنات والمقاربات بين الماضي والحاضر، وبقينا في «كوبا أميركا» الحالية بنسختها التشيليانية، يمكن القول إن منتخب الأرجنتين وبعد ختام دور المجموعات بدا غير مقنع. المسألة لا تتوقف على النتائج بتعادل أمام الباراغواي 2-2 وفوز ضعيف على الأوروغواي 1-0 وأضعف منه على جامايكا المتواضعة بالنتيجة عينها، بل على أداء «ألبيسيليستي» بوجود نجم مثل ميسي.

قبل 17 عاماً بالتمام والكمال فازت الأرجنتين على جامايكا 5-0


وإذا ما سلّمنا جدلاً أن المباراة الافتتاحية تكون عادة صعبة في أي بطولة، وبأن الثانية جاءت وسط أجواء ضاغطة بعد التعادل الأول، فإن كل الظروف في المباراة الثالثة أمام جامايكا كانت ملائمة لتقديم الأرجنتين ما يسرّ عشاقها، بدءاً من ضعف المنافس مروراً بحسم التأهل وليس انتهاء باحتفال «ليو» بخوضه المباراة الرقم 100 بقميص «ألبيسيليستي»، إلا أن أياً من هذا لم يحصل، حتى إن ميسي خرج بدوره، لا شك، بحسرة في قرارة نفسه لعدم تقديم مباراة مثالية في هذه الذكرى التي تسجل في مذكراته.
الواضح مجدداً أن الأرجنتين تدفع ثمن «الخطأ» ذاته وهو اللعب «على وتيرة» ميسي وبناء كل شيء على «ليو» ورهن كل شيء بـ»ليو»، وكأن هذا الأخير يملك فانوساً سحرياً بإمكانه أن يحقق المستحيلات حتى لو لم يكن جاهزاً في هذه المباراة أو تلك.
بالتأكيد، المسألة هنا تتمحور حول أمرين: أولهما الضعف الخططي الواضح عند المدرب جيراردو «تاتا» مارتينو في ايجاد الحلول من دون الاتكال الصريح على ميسي، إنما على طريقة برشلونة الإسباني بوجود لاعبين أصحاب مبادرة إلى جانب «ليو» وهم في الوقت ذاته يسهّلون مهمته، وثانيهما الإرهاق الفعلي للأخير بعد موسم منهك إلى أبعد الحدود مع بطل أوروبا، حيث يجدر القول هنا، لشرح «صورة» ميسي، أن دراسة أخيرة في بريطانيا أحصت أن «ليو» قطع منذ عام 2004 حتى الآن مسافة 952,130 كلم بالطائرة أي بما يعادل أكثر من ضعفي المسافة بين الأرض والقمر!
على كل الأحوال، فإن لسان حال كل عشاق منتخب الأرجنتين هو أن يكون دور المجموعات ليس إلا «تحمية» وتليينا لعضلات ميسي استعداداً للأدوار الإقصائية ووصولاً حتى النهائي الذي ترتسم في مخيلة كل واحد منهم صورة «ليو» وهو يرفع الكأس الأولى له في مسيرته مع منتخب بلاده، وإلا فإن جنوناً قد يصيب هؤلاء، لأن ساحراً مثل ميسي مرّ على الأرجنتين ولم يستطع التتويج بلقب «كوبا أميركا» على
الأقل.