لم يكن الهدف الشخصي الثاني الذي وقّعه النجم البلجيكي إيدين هازار في مرمى إفرتون بعد سلسلة لمسات رائعة ولعبة جماعية أروع، الدليل الوحيد على ان بصمات المدرب الايطالي انطونيو كونتي باتت واضحة بقوة في اداء تشلسي. الفريق اللندني الذي سجّل انطلاقة غير مقنعة في بداية الدوري الانكليزي الممتاز لكرة القدم، لم يعد بالامكان اسقاطه من حسابات المنافسين الاساسيين على اللقب الذي قد يكون من نصيبه في نهاية المشوار.
استورد كونتي العسل من ايطاليا لمعالجة صوته الذي اختفى مرات عدة بفعل الصراخ
الواقع ان تشلسي ومن خلال مباراته امام خصمٍ عنيد مثل إفرتون، ترك دلالات على الدور الكبير الذي أداه كونتي في اعادته الى السكة الصحيحة، ليقدّم افضل كرة لعبها منذ الحقبة الاولى للمدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، التي اعقبها عدم قناعة دائمة من قبل مالك النادي الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، بمتعة الاداء الذي يقدّمه فريقه مع المدربين المتعاقبين على تدريبه وبينهم مورينيو في حقبته الثانية.
تشلسي فاز مع ايطالي آخر هو لاعب وسطه السابق روبرتو دي ماتيو، بلقب مسابقة دوري ابطال اوروبا، لكنه لم يكن ذاك الفريق الذي يسدّ جوع محبي كرة القدم اليه، حتى جاء كونتي. مع مدرب يوفنتوس السابق بات لـ "البلوز" روحاً مختلفة ومقاربة جديدة لا تخرج عن اطار المتعة.
لكن كيف حوّل كونتي الفريق من فريقٍ يلعب كرة قدم انكليزية وشبه تقليدية الى منظومة تعزف اجمل الالحان الكروية على ارض الملعب؟
صاحب العينين الزرقاوين ابدى شجاعة كبيرة في تراجعه عن الفلسفة التي اعتمدها فور وصوله الى "ستامفورد بريدج"، فجاءت انتصاراته اللافته اخيراً بفعل تحوّله الى استراتيجية 3-4-3. تلك الخطة التي لا يهضمها الكثير من المدربين في "البريميير ليغ" بدت هي الانسب بالنسبة الى مجموعة اللاعبين الذين يملكهم كونتي. وهذه المسألة ظهرت في شقين: الاول هو الشق الدفاعي، اذ ان اللاعبَين اللذين يشغلان طرفي الملعب في خط الوسط، اي النيجيري فيكتور موزيس من الميمنة، والاسباني ماركوس الونسو من الميسرة، يملكان نزعة دفاعية ممتازة، ولياقة بدنية لافتة تجعل منهما قادرين على اداء الدورين الدفاعي والهجومي معاً. ومع مؤازرتهما لثلاثي خط الظهر تزداد الكثافة الدفاعية، وبالتالي تكون الغلبة في الصراعات القريبة من منطقة "البلوز" شبه محسومة لرجالها.
اما الشق الثاني، فهو الهجومي، اذ ان وجود اللاعبَين المذكورين الى جانب "عتَّالين" مثل الصربي نيمانيا ماتيتش والفرنسي نغولو كانتي، اعطى حرية كبيرة لثلاثي المقدمة، اي هازار والاسبانيين بدرو رودريغيز ودييغو كوستا، وخصوصاً الاول الذي تحرّر تماماً من مهماته التي كانت معقّدة في الموسم الماضي مع مورينيو تحديداً، فعاد الى تفجير موهبته الفردية التي تجعل منه اليوم احد افضل لاعبي "البيرميير ليغ" اذا لم يكن افضلهم.
وكل هذه الاسماء المذكورة (ما عدا كانتي الوافد الجديد الى الفريق)، كانت مدمَّرة نفسياً، لكن كونتي بثّ فيها روح الحماسة من جديد من خلال تحفيزها واعطائها دوراً كبيراً على ارض الملعب، حتى بات يُحسب الف حساب لألونسو، ولم يعد موزيس لاعباً للاعارة فقط، وعاد هازار ليؤدي دور الملهم، ومثله بدرو الذي وجد نفسه من جديد، تماماً كمواطنه كوستا الذي انتفض ليتصدّر هدافي الدوري ويعوّض ما فاته وليعيد طرح اسمه كأحد اخطر الهدافين في العالم.
في احدى لقطات المباراة وحيث كان تشلسي متقدّماً بالخماسية، كان كونتي يصرخ على لاعبيه طالباً منهم الضغط على حامل الكرة، ما يترك قناعةً بأن الرجل لن يشبع قبل ان يرى الكأس في خزائن النادي في ايار المقبل، لكن حتى ذلك التاريخ سيكتفي بأكل العسل الذي استورده اخيراً من ايطاليا لمعالجة صوته الذي اختفى مرات عدة بفعل الصراخ المتواصل طوال الدقائق التسعين.