ماذا بعد ليونيل ميسي؟ هدفان في مرمى إسبانيول بينهما ركلة حرة خيالية، الأربعاء الماضي، في كأس إسبانيا، وبعدها ثلاثية "هاتريك" في شباك غرناطة أول من أمس في "الليغا". ماذا بعد ميسي؟ سحر في كل حركة، ومراوغات تطيح اللاعبين يمنة ويسرة.
الأكيد أن "ليو" بات يعيش في كوكب بعيد عن كوكبنا. منذ زمن استقل الأرجنتيني مركبته الفضائية وراح يتنقل بين النجوم التي يحكي لغتها ويألفها، كيف لا؟ أوليس هو النجم المتلألئ على الدوام في أمسيات هذا الزمان؟
قالها النجم الفرنسي تييري هنري قبل أيام: ما يفعله ميسي غير طبيعي. تخيلوا أن "ليو" أوصل نجماً مثل هنري، تشهد الملاعب على تألقه، إلى الهذيان. هذيان بموهبة لا تنتهي من إبهار كل من يشاهدها.
المشهد مرسوم مسبقاً: ميسي سيحتضن الكرة الذهبية

قالها هنري قبل أيام: "ميسي ودينيس بيركامب أفضل من لعبت إلى جانبهما"، مضيفاً أنه يفضّل الهولندي لأنه "كائن بشري"، أي بمعنى آخر أن الأرجنتيني ليس من جنسنا. حركته مختلفة، قدماه اللتان يركل بهما الكرة مختلفتان، وكذا سحره مختلف.
ما هو واضح، أننا نحن المحظوظين على صعيد متابعة الكرة بوجودنا في زمن ميسي، نعيش الفترة الذهبية في مسيرة الأرجنتيني. صحيح أن "ليو" قدّم ما لا يخطر على عقل منذ بروز نجمه قبل نحو عشر سنوات وقدّم سحراً لا يصدق وصنع أهدافاً لا تصنع وسجل ما لا يسجل، إلا أن ميسي الآن في الثامنة والعشرين من عمره يلمع كجوهرة. يمكن القول إن موهبة هذا اللاعب الفذّ وصلت إلى ذروتها الآن، وما علينا إلا أن ننتظر منه ما يدهش الأبصار. هذا هو مفهوم وعُرف الكرة، بأن يصل اللاعب في هذه السن إلى مرحلة التكامل. ولتأكيد هذه المسألة، تكفي العودة فقط إلى اللاعب الذي يحبّذ كثيرون تشبيه ميسي به، وهو مواطنه "الأسطورة" دييغو أرماندو مارادونا، لنستذكر كيف أن هذا الأخير كان منذ سن الثامنة والعشرين، وصولاً إلى الحادية والثلاثين، يصول ويجول في ملاعب الكرة الإيطالية مع نابولي في زمن الفرنسي ميشال بلاتيني والهولنديين ماركو فان باستن ورود غوليت وفرانك رايكارد والألمان يورغن كلينسمان ولوثر ماتيوس وأندرياس بريمه والطليان فرانكو باريزي وجيانلوكا فيالي وروبرتو دونادوني وغيرهم الكثير.
الآن ميسي وصل إلى هذه المرحلة. كثيرون راهنوا على أن يملّ "ليو" بعد كل الذي قدّمه وحققه على المستوى الشخصي بأربع كرات ذهبية والكثير الكثير من الأرقام والإنجازات، أو على المستوى الجماعي مع برشلونة بأربعة ألقاب في دوري أبطال أوروبا وسبعة في الدوري الإسباني وثلاثة في مونديال الأندية أو في المقابل مع منتخب بلاده بالوصول إلى نهائي مونديال 2015 والخسارة على أعتاب الحلم التي من شأنها أن تهد كل عزيمة، وبعدها بعام مباشرة "النكسة" الثانية في نهائي "كوبا أميركا". إلا أن ميسي لم يبال بكل هذه اللوحة الفسيفسائية، وظل ماضياً في سحره الذي ينشره أينما تنقل، ومواصلاً كتابة تاريخ ينتظر الجميع كيف ستكون خاتمته للاعب يصعب أن يتكرر.
لا انتقاص في كل ما تقدّم من البرتغالي كريستيانو رونالدو. لكن ميسي شيء ورونالدو شيء. لهذا أسلوب ولذاك أسلوب، لهذا سحر ولذاك سحر.
اليوم الموعد مجدداً في زيوريخ. المشهد يبدو مرسوماً مسبقاً: سيُفتح المغلّف ويُنطق اسم ميسي مجدداً. سيتقدم "ليو" إلى المنصة وسيحتضن الكرة الذهبية الخامسة في مسيرته. سيبتسم. لكن الحكاية لن تنتهي، ففصولها الأخرى الذهبية قادمة حتى يقرر هذا الساحر أن يكتب الخاتمة.