هي صورة تعود الى شهر ايار من عام 1997. صورة لا يعرفها إلا من قام بالتدقيق في ارشيف نادي برشلونة الإسباني. عامذاك وعقب فوز الفريق الكاتالوني على باريس سان جيرمان الفرنسي في المباراة النهائية لكأس الكؤوس الاوروبية، شوهد لاعب الوسط جوسيب غوارديولا وهو يعانق بحرارة احد اعضاء الجهاز الفني محتفلاً وإياه على ارض الملعب. هذا الرجل لم يكن سوى البرتغالي جوزيه مورينيو.هو مشهد من "قصة غرام" جمعت الرجلين اللذين كانا رفيقي سلاح وتحوّلا في ليلة وضحاها الى عدوين أشعلا حرباً لا تنتهي في اسبانيا ونقلاها بالتأكيد معهما الى انكلترا اليوم، التي ستشهد أولى معاركهما في "دربي" مدينة مانشستر عندما يلتقي يونايتد وسيتي.
مشاهد "قصة الانتقام" بدأت فصولها عام 2008، عندما رغب مورينيو بالعودة الى نادي برشلونة الذي تركه عام 2000 بعدما عمل مترجماً وعضواً في الجهاز التدريبي تحت راية المدرب الانكليزي الراحل بوبي روبسون. مورينيو أراد العودة لاستلام رأس الجهاز الفني وبعد لقائه في لشبونة مع المدير الرياضي وقتذاك تشيكي بيغيريستاين، ابلغه بأنه في حال مُنح خلافة الهولندي فرانك رايكارد في منصب المدير الفني فإنه سيطلب من مدرب الفريق الرديف اي غوارديولا الانضمام إليه كمساعدٍ له. "بيب" وبصفته شخصية مؤثرة يؤخذ برأيها في النادي كان على الخط أيضاً، إذ نصح الإدارة بالتعاقد مع "مو" مفضلاً إياه على الفرنسي ارسين فينغر والتشيلياني مانويل بيلليغريني. لكن فجأة أخذت الأمور منعطفاً آخر غير متوقّع عندما أطلّ الرجل الأكثر تأثيراً في القرارات وصانع مجد برشلونة في العصر الحديث الهولندي الراحل يوهان كرويف طالباً تعيين غوارديولا في المنصب الأعلى.
طلب غوارديولا تعيين مورينيو مدرباً لبرشلونة وأراده البرتغالي مساعداً له

هنا تبدّل كل شيء وبدأت الحرب المفتوحة التي كسب فيها مورينيو معركة مهمة عام 2010، وتحديداً في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا فأطاح مع إنتر ميلانو الايطالي بغوارديولا وفريقه، لينقل الحرب الى الدوري الاسباني. نعم، لم تكن قيادة "مو" إنتر الى اللقب سبب تحوّله مدرباً لريال مدريد، بل إن الأخير رأى فيه ضالته المنشودة لسببٍ بسيط وهو انه تمكن من إيقاف الفريق الرهيب الذي يقوده "بيب".
عامذاك استغرب كثيرون كيف يترك مورينيو فريقاً رابحاً مثل إنتر ويتخلى عن كل شيء بناه هناك من اجل تسلم فريقٍ يتلقى الصفعة تلو الأخرى من برشلونة. السبب كان واضحاً، حقد البرتغالي اخذه الى مدريد بعدما قال يوم خروجه من "كامب نو" بأن برشلونة سيبقى في قلبه الى الأبد، لكنه ذهب الى العدو اللدود للانتقام ولإثبات أنه أفضل من غوارديولا وكان يستحق ان يكون مكانه.
وصل مورينيو الى "الليغا" حيث كانت الأمور مشتعلة أصلاً بين الغريمين الأزليين، وأضاف المزيد من الوقود الى النار. هو احترق بخماسية في بداية نزالات "الكلاسيكو" الذي أدخل إسبانيا والعالم حتى في أزمات، وخصوصاً عام 2011 عندما التقى الفريقان 4 مرات في 18 يوماً ضمن الدوري وكأس الملك ودوري الأبطال. مشاهدٌ بشعة عدة شاهدناها في تلك الحقبة تعكس الحقد الذي بثّه الرجلان في نفوس اللاعبين، اقلّه ناحية مورينيو الذي طُرد أربعة من لاعبيه في اول اربع مباريات "كلاسيكو" بعد قدومه!
فاز غوارديولا بـ 5 مواجهات "كلاسيكو" ضد مورينيو وخسر في مباراتين مقابل 4 تعادلات (مجموع لقاءاتهما كمدربَين هو 16 مباراة، فاز غوارديولا في 7 منها، ومورينيو في 3 مقابل 6 تعادلات)، لكن هذا لم يكن كل شيء، اذ خارج الملعب كانت كل الاسلحة مستخدمة في المؤتمرات الصحافية وفي محاضرات غرف الملابس مع اللاعبين، حيث تجاهل غوارديولا نصائح الادارة بتبريد السلاح محرضاً لاعبيه على مورينيو الذي لم يتوانَ يوماً عن مهاجمة مقعد غوارديولا وجهازه الفني امام الملايين.
ولا شك في ان الرجلين ورغم لقائهما الشهر الماضي على هامش اجتماع للمدربين قبل انطلاق الدوري الانكليزي الممتاز، لم يرميا إطلاقاً ما يوجد بينهما لا بل انه يمكن وضع استقدام مورينيو للسويدي زلاتان إبراهيموفيتش في سياق رفع منسوب الحقد ضد غوارديولا وتحويل الانتقام الى سلاحٍ فعال على اعتبار انه ليس هناك اي لاعب في العالم يكره "بيب" بقدر ما يكرهه "إيبرا" الذي عاش فترةً صعبة تحت قيادته لدرجةٍ دفعت الأخير للقول في سيرته الذاتية بأن الكاتالوني كان يرتعد خوفاً امام مورينيو.
سخرية القدر لم تضع غوارديولا ومورينيو في فريقين عاديين بل جعلتهما مدربَين لفريقين غريمين مجدداً، ما يعزّز من فرضية نقلهما نار الحرب الى "البريميير ليغ" الذي لن يَسلم من فصول قصة الغرام والانتقام التي لم تشهد لها كرة القدم مثيلاً.