البرتغال بطلة لأوروبا. هي مفاجأة فعلاً، لأن أحداً لم يُرشّح "برازيل أوروبا" للمنافسة حتى في الادوار المتقدمة من البطولة، لا بل إنه كان بالامكان استبعادها نهائياً من المعادلة بعد أدائها في دور المجموعات، حيث تأهلت بثلاث نقاط من ثلاثة تعادلات، أي من دون تحقيق أي فوز.لكن الحقيقة لا يمكن تشبيه فوز البرتغال باللقب بذاك الانجاز الذي أصابته الدنمارك عام 1992 أو اليونان عام 2004؛ فالبرتغاليون شرعوا منذ فترةٍ طويلة في بناء كرة قدم بطريقة صحيحة، أنتجت لاعبين مميزين، من دون أن يتمكنوا من الانصهار في منتخبٍ قوي يمكنه أن يحمل المجد الى الامة، ولو أنه كان قريباً من تحقيق هذا الامر على أرضه قبل 12 عاماً عندما سقط أمام اليونانيين في المباراة النهائية.
بطبيعة الحال، البرتغال، وبعد مرحلة جيل اوزيبيو، قدّمت العديد من النجوم، أمثال روي كوستا ولويس فيغو وبعدهما كريستيانو رونالدو، لكن أيّاً منهم لم يتمكن من رفع كأس واحدة على مستوى الرجال، مكتفين بتنصيب أنفسهم في دائرة أفضل لاعبي العالم مع أنديتهم لا مع المنتخب الوطني.
قبل أقل من شهرين فازت البرتغال بكأس أوروبية أخرى

لكن سنةً تلو الاخرى كانت البرتغال تضع المداميك الاساسية لمنتخبٍ محترم، من دون أن تضع أي توقّع لما يمكن أن يقدّمه، وخصوصاً مع التطور السريع الذي أصاب المنتخبات الاوروبية الكبرى وابتعادها بمراحل عدة، على غرار اسبانيا البطلة السابقة لآخر نسختين أوروبيتين، والمانيا التي توّجت باللقب العالمي قبل عامين.
المتابع عن كثب للكرة الاوروبية، وتحديداً على صعيد المنتخبات بمختلف فئاتها، ربما لم يفاجأ كثيراً برؤية رونالدو وزملائه يرفعون الكأس الغالية في "استاد دو فرانس". والاكيد أنه يعرف مجموعة من الاسماء التي لم يسمع بها كثيرون قبل تلك الأمسية، أو لنقل قبل "اليورو" المنتهي.
وهنا بيت القصيد، فالبرتغال ليست بعابرة سبيل على الساحة القارية، إذ إنها حضرت بقوة في الاعوام الاخيرة على صعيد بطولات الفئات العمرية، فارضةً حضورها بين كبار القارة، بفضل عدة أسماء من التشكيلة المتوّجة بكأس أوروبا.
العام الماضي في تشيكيا، حيث أقيمت بطولة أوروبا للشباب، أبحرت السفينة البرتغالية نحو النهائي مكتسحة المانيا العظيمة بخماسية نظيفة في الدور نصف النهائي. منتخبٌ الماني ضم أسماءً اشتهرت حتى قبل أن تكون موجودة في "يورو 2016"، أمثال الحارس مارك اندريه تير شتيغن وجوشوا كيميش وايمري كان، ومعهم لاعبون دافعوا عن ألوان المنتخب الاول ايضاً، أمثال ماتياس غينتر وكيفن فولاند. لكن هناك في تشيكيا سقطوا أمام البرتغال التي قادها رافايل غيريرو (صاحب الركلة الحرة التي ارتدت من عارضة فرنسا) وويليام كارفاليو الذي يعدّ أبرز مفاتيح الفوز باللقب الكبير مساء الاحد بعد الدور الرائع الذي لعبه أمام رباعي خط الدفاع في تشكيلة المدرب فرناندو سانتوس، علماً بأنه حصل على جائزة أفضل لاعب في كأس أوروبا للشباب، رغم أن منتخبه خسر في النهائي أمام السويد بركلات الترجيح، إثر تعادلهما سلباً.
هذه كانت الوصافة الثانية للبرتغال في هذه البطولة بعد عام 1994 عندما توّج فيغو بجائزة افضل لاعب ايضاً. هي اعتادت الحضور في النهائيات اصلاً في الفترة الاخيرة، إذ قبل عامين خسرت امام المانيا (0-1) في نهائي كأس اوروبا للاعبين دون 19 عاماً، لكنها قبل اقل من شهرين بدأت تخطّ شيئاً مما فعله المنتخب الاول في "اليورو" وما يمكن أن يفعله لاحقاً، إذ فاز صغار البرتغال بكأس اوروبا للاعبين دون 16 عاماً في آذربيجان، ليصبحوا ثاني اكثر المنتخبات إحرازاً لهذه البطولة بعد اسبانيا بستة القاب مقابل ثمانية للاسبان.
ماذا يعني هذا الامر؟ يعني ظهور المزيد من اللاعبين الشبيهين بالموهوب ريناتو سانشيز وامكانية البناء على المجد المحقق، وخصوصاً أن عمل الاكاديميات في البرتغال مشهود له، لا بل إن بعضها يصنّف بين العشرة الافضل في العالم على غرار أكاديمية سبورتينغ لشبونة التي خرّجت رونالدو. كذلك، هناك أكاديمية بنفيكا التي تجمع المواهب من كافة أقطار المعمورة وتعمل على صقلها، فوصفها النجم الاسباني السابق ميشال سالغادو خلال زيارته الاخيرة لبيروت بأنها تضاهي أكاديمية برشلونة على صعيد تطوير المواهب الناشئة.
هي البرتغال التي لا شك في أن الحظ ساعدها لبلوغ هذه المرتبة في كأس اوروبا، لكن الاكيد أن تلك الامة الكروية لم تكن يوماً نائمة، بل نحتت أياماً وليالي كأساً غالية واستثنائية.