لم تكن ويلز تحلم طبعاً بالوصول إلى هذه المرتبة المتقدمة في كأس أوروبا 2016، تماماً كما لم يكن كثيرون يتوقعون لها هذا المشوار. وبطبيعة الحال، يمنّي الويلزيون النفس بأن لا يستفيقوا من هذا الحلم الفرنسي الجميل الذي صنعوه بتعبهم واجتهادهم، بعدما كان الظن أن مرورهم سيكون عابراً على البطولة ولن يترك له أثراً، إلا أن العكس هو ما حصل وتمكن الويلزيون من قول كلمتهم بقوة في الحدث القاري.
تعتمد بلجيكا على مهارات هازار ودي بروين وويلز على بايل
منتخب ويلز وصل إلى هذه المرتبة عن استحقاق، مقدِّماً أداءً قوياً وثابتاً فاجأ الجميع، وهو يدخل مباراته أمام بلجيكا الليلة غير مرشح، وهذا ما يصبّ في مصلحته على عكس الأخيرة التي تتركز الضغوط عليها باعتبارها أحد المرشحين لإحراز اللقب.
من جانبها أيضاً، أظهرت بلجيكا أنها جديرة بأن تكون بين المرشحين، إذ بعد انطلاقة سيئة بالخسارة أمام إيطاليا 0-2 عادت واستعادت عافيتها وتطورت مباراة بعد أخرى حتى وصلت إلى القمة في مباراة دور الـ 16 أمام المجر باكتساحها إياها 4-0 لتوجّه رسالة شديدة اللهجة إلى الجميع.
بيد أنه مخطئ من يعتقد أن الطريق ستكون سهلة لبلجيكا أمام ويلز، إذ بخلاف أن الأخيرة غير مرشحة، وهذا ما يجعلها تخوض المباراة بأريحية ودون ضغوط، فإن لويلز نقاط قوة كما بلجيكا، وثمة حتى قواسم مشتركة بين الطرفين.
بالتأكيد، فإن النقطة الأولى التي تجمع بين المنتخبين هي وجود العنصر الفردي المبدع والمهاري، إذ من جهة بلجيكا فهي تتميز بأنها تضم في صفوفها لاعبين هما إيدين هازار وكيفن دي بروين، اللذين يشكلان ثنائياً قوياً، وهما قادران على توجيه ضربة قاتلة للمنافس في أي لحظة، وهذا ما حصل مع هازار في المباراة أمام المجر حين صنع هدفاً وسجل آخر، فيما تحركات دي بروين في غاية الخطورة تماماً كما تمريراته الصائبة وتسديداته الصاروخية مثل تلك التي أصابت العارضة في المباراة الأخيرة أيضاً.
أما من جهة ويلز، فإن الفارق يصنعه طبعاً غاريث بايل هداف البطولة حتى الآن بـ 3 أهداف سجل منها اثنين بركلتين حرتين جميلتين ليكون الأول الذي يفعل ذلك في كأس أوروبا منذ الألماني توماس هاسلر في "يورو 1992"، وبالتأكيد فإن المدرب البلجيكي مارك فيلموتس، وجّه تحذيراً لمدافعيه من مغبة ارتكاب أخطاء أمام منطقتهم تتيح لنجم ريال مدريد الإسباني الحصول على ركلات حرة. كذلك فإن بايل قادر على إزعاج الدفاع البلجيكي بسرعته الفائقة واختراقاته، وهو لا شك سيلعب المباراة بثقة استمدها من الإطراء الكبير الذي حصل عليه في بلاده، حيث نصّبته الصحف هناك أميراً جديداً على ويلز.
لكن هذا العامل الفردي المهم لا يمنع من أن ثمة نقاط قوة أخرى لدى الطرفين تبدو متشابهة. ففي الجانب البلجيكي لا يمكن إلا التوقف عند الدور الكبير الذي يقدّمه ثنائي خط الوسط المكوّن من أكسيل فيتسل وراديا ناينغولان الموكلان بالتغطية الدفاعية، وكذلك المواكبة الهجومية، وقد تمكن كل منهما حتى من التسجيل بهدف رأسي للأول في المباراة أمام جمهورية إيرلندا والثاني بتسديدة جميلة في المباراة أمام السويد.
أما لدى ويلز، فيقف كل من آرون رامسي وجو ألن، كصمامي أمان في منطقة وسط الملعب من خلال ديناميكيتهما وقدرتهما على خلق الحلول في الأوقات الصعبة، وتحت الضغوط، وهذا ما يؤكد أن منتخب ويلز ليس منتخب النجم الواحد المتمثل ببايل، بل إنه يقدم كرة جماعية بقيادة المدرب المميز كريس كولمان.
لن يكون مفاجئاً طبعاً إذا ما خرجت ويلز من ربع النهائي، إذ إنها تواجه خصماً قوياً وشرساً ومدججاً بالنجوم، ومجرد وصولها إلى هذا الدور يُعَدّ نجاحاً بحد ذاته، لكن لن يُعَدّ مفاجئاً أيضاً إذا ما تمكنت ويلز من إطاحة بلجيكا، إذ إنها أثبتت أنها تمتلك كل مقومات النجاح التي تتعدى المفاجأة.