رغم معاناتها من ركود اقتصادي كباقي دول الاتحاد الأوروبي، جاءت التهديدات الإرهابية لتزيد الطين بلّة على فرنسا، إذ بدلاً من الاستفادة من "يورو 2016" وأرباحها، تكبّدت الحكومة مبالغ طائلة للحدّ من التهديدات التي تطاولها.والأكيد أن كأس أوروبا تقف أمام تهديد سيوف داعش وتفجيراتها. فبعد الهجمات الإرهابية أواخر عام 2015، تغيّر عالم الأرقام المالية الفرنسية الخاصة بالحدث من إيجابية إلى سلبية. وهنا الحديث أنه قبل هذه الهجمات أشارت تقارير الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى أنّ من المتوقع أن تجني المدن المستضيفة لكأس أوروبا ما يقارب 1.3 مليار يورو كأرباحٍ شاملة من عقود الرعاية، تقديم الخدمات السياحية للزائرين، الاستضافة الفندقية، التسويق وغيرها من الأمور التجارية.
ومع توقّع بلوغ "يورو 2016" مستوى التوقعات على صعيد المنافسة، تلتفت الحكومة الفرنسية إلى موضوعٍ آخر، هو الشق الاقتصادي، وذلك بعدما ضُربت كل التوقعات الإيجابية عقب سلسلة الهجمات الإرهابية المنسّقة التي أصابت باريس ومنها في محيط ملعب "سان دوني"، أي الاستاد الرئيسي في أي بطولة كبرى تستضيفها البلاد.
تكبّدت فرنسا خسائر بما يقارب 2 مليار يورو لانخفاض النشاط السياحي

منذ ذاك التاريخ المشؤوم وفرنسا تحاول استعادة الهدوء والأمان، تزامناً مع إعلان حالة الطوارئ في الداخل. وبطبيعة الحال، لازمت هذه التفجيرات خسائر اقتصادية، فالتقرير الذي نشره موقع "كوارتز" الاقتصادي العالمي مستعيناً بدراسة تحليلية أجرتها وزارة الخزانة الفرنسية، بدا مفاجئاً لضخامة الأرقام، إذ تكبّد الاقتصاد الفرنسي خسائر بما يقارب 2 مليار يورو إثر انخفاض النشاط السياحي وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي.
ومن المفترض أن يحاول الفرنسيون الاستفادة قدر الإمكان من الـ"يورو" وما ينتج من أموال إذا ما مرَّ عادياً وبسلامٍ تام. هنا نقطة الجدل، هذا السلام والهدوء المرجو لن يمرّ دون تكاليف باهظة، إذ ما مرَّ أصلاً.
قبل أسبوع، طرحت فرنسا تطبيقاً للهواتف المحمولة يطلق إنذارات للعامة في حال وقوع هجوم إرهابي، ويحذرهم وفقاً لموقعهم الجغرافي بحال الاشتباه في حدوث هجوم.
لم تكن الحكومة الفرنسية وحدها داخل الطاحون، بل إن واشنطن ولندن حذرتا من هجمات إرهابية داخل الملاعب ومناطق تجمع الجمهور، ومحطات المواصلات، منبهتين إلى أنها أهداف محتملة للهجمات خلال البطولة.
المهم أنه بعيد التفجيرات، خسرت الفنادق الفرنسية إيرادات تقدر بنحو 270 مليون يورو، ويمكن أن يستمر هذا التأثير على معدل الإشغالات في الفنادق.
غير معلوم إذا ما سيتحسن الوضع في الـ "يورو" على صعيد الفنادق، لكن ما وعدت فرنسا به هو تقديم تسهيلات كبيرة للزائرين – الذين يقدّرون بالملايين – إلى الملاعب التي ستستقبل منتخباتهم ليشاهدوا المباريات. ويقابل هؤلاء 90 ألف رجل أمن لتجنب أي اعتداء إرهابي، بحسب ما صرَّح وزير الداخلية الفرنسي برنار كازونوف.
لكل تصريح نقيضه من التصريحات. وكل هذا يبدد الأموال التي صرفت، أو الأموال المنتظر إدخالها إلى الخزينة من الجديد. من جهة يرد تسهيل أمور الجماهير، ومن جهة أخرى يرى رئيس اللجنة المنظمة للبطولة جاك لامبير أنه لا تستبعد إقامة مباريات من دون الجماهير وخلف الأبواب المغلقة. خطة تأمين الجماهير ستبلغ كلفتها حتى الآن 24 مليون يورو. كذلك يتوقع أن تبلغ نفقة الحملة الترويجية إلى حين بدايتها نحو 60 مليون يورو. مبالغ طائلة دفعت الإدارة الفرنسية إلى صرفها، لتحدّ من سيف هجمات "داعش".
مناقشة التكاليف المالية مقابل الكلام على الحد من الخسائر البشرية، لا تبدو منطقية. الأهم هو مرور كأس أوروبا من دون وقوع هجمات أخرى، أو دون إلغائها.