"أنا أميركا. أنا هذا الجزء من البلاد الذي لا تريدون معرفته. لكن تعوّدوا عليّ: أسود، واثق من نفسي وجريء". هذه الجملة وحدها تحكي عن محمد علي كلاي الملاكم الأسطوري الذي تخطى عالم الرياضة إلى العالم الأوسع، إلى الإنسانية الرافضة للتمييز بين البشر والباحثة عن العدالة، إلى الشخصية المتمردة على كلمة الظلم. محمد علي كلاي صاحب الحركة الرشيقة التي كان يتميز بها على الحلبة والقبضة الحديدية التي كانت تطيح الخصوم أرضاً وجعلت منه بطلاً عالمياً أسطورياً في الستينيات والسبعينيات عرف كيف يكتسب شعبيته حول العالم، ليس فقط من خلال ما كان يؤديه على الحلبة، بل خارجها، هناك حيث كانت حلبته الأوسع ونزالاته الأشرس لنصرة المستضعفين، بدءاً من أبناء جلدته إلى كل مظلوم صاحب حق.
شكّل كلاي الأسطورة والأيقونة والقدوة والرمز والملهم لكثيرين

كثيرة هي المحطات التي تحكي عن محمد علي كلاي الأسطورة والأيقونة والقدوة والرمز والملهم المؤثر على الصعد الرياضية والاجتماعية والسياسية.
واستمد محمد علي كلاي شخصيته الثائرة من مدينته لويزفيل في ولاية كنتاكي التي كانت تختصر أميركا في الأربعينيات والخمسينيات المنقسمة بين البيض والسود، بين الأغنياء والفقراء، والتي ولد فيها بأحد المنازل المتواضعة في يوم 17 كانون الثاني عام 1942.
كبر محمد علي الذي كان يحمل حينها اسم كاسيوس كلاي في ظل هذا الواقع المرير المنطلق من التمييز العنصري، وهذا ما كان ينعكس نضالاً في شخصيته أكثر فأكثر في الوقت الذي كان يكبر نجمه وتتسلط عليه الأضواء مع إطاحته الخصوم بالضربات القاضية.
وفي منتصف الستينيات اعتنق كلاي الدين الإسلامي ليشتهر باسم محمد علي، وزادت شعبيته بعد بنائه علاقة صداقة متينة مع مالكولم إكس، لينخرط في حركة "أمة الإسلام" التي كانت تناضل من أجل حرية السود في ظل الصراع القوي الذي كان قائماً حينها في الولايات المتحدة بمطالبة السود بحقوقهم.
ويقول الكاتبان راندي روبرتس وجوني سميث في كتابهما "الأخوة في الدم" عن العلاقة بين الاثنين: "تحت إرشادات مالكولم ظهر محمد علي في الساحة العالمية كرمز للفخر للسود وللحرية للسود".
هذه العالمية اكتسبها كلاي أكثر، فضلاً عن نزالاته على الحلبات، من خلال وقوفه إلى جانب الكثير من القضايا المحقة حول العالم الذي زار العديد من بلدانه، وتحديداً من خلال رفضه الانخراط في الجيش الأميركي للقتال في فييتنام، حيث حُكم عليه بالسجن خمس سنوات قبل أن تبطل المحكمة الأميركية العليا الحكم ويوقَف ثلاثة أعوام ويُجرَّد من لقب بطل العالم، حيث يقول محمد علي عن هذه المحطة المضيئة في حياته: "مشاعري لا تسمح لي بالذهاب لقتل إخوتي حيث الأشخاص الفقراء الغارقون في الوحل من أجل أميركا القوية والكبيرة. لماذا أقتلهم؟ لم يقولوا لي يوماً زنجي، ولم يسحلوني، ولم يفلتوا عليّ الكلاب. كيف يمكنني أن أقتل هؤلاء الأشخاص الفقراء؟ ضعوني في السجن".
هذا بعض من محمد علي كلاي الذي خاض صراعاً لفترة طويلة من حياته مع مرض الشلل الرعاش "باركنسون" قبل أن يفارق الحياة، والذي لا تكفي الكلمات للحديث عن إنسانيته قبل براعته في الملاكمة المفروغ منها، وهو الذي تروي سيرته عنه أنه في أحد الأيام عام 1981 أنقذ أحد الأشخاص من الانتحار في لوس أنجلس عندما كان يستعد لرمي نفسه من الطبقة التاسعة لأحد المباني، فتوجه إليه كلاي الذي كان يمر صدفة في المكان بعد أن عجزت الشرطة عن ثنيه قائلاً له: "أنا أخوك، سأساعدك"، ليقول بعدها: "إنقاذ حياة إنسان أهم لدي من أي لقب".
بالفعل، كان الجانب الإنساني هو الطاغي في شخصية هذا البطل الكبير، رغم أن الملاكمة تشتهر بكونها رياضة عنيفة، وهذا ما ستحتفظ به ذاكرة محبيه، وما أكثرهم!