«زميل عدنان الوثبة يقلب الطاولة ويسجل في اللحظات الأولى». يصرخ المذيع منقذ العلي بصوت يفضح حماسته الوثباوية، مقتحماً الاستوديو الإذاعي المركزي لبرنامج «ملاعبنا الخضراء»، الذي كان يديره عدنان بوظو ظهر كل جمعة كروية لاهبة. عندها لم تكن الملاعب في دمشق قد تحوّلت إلى ثكن عسكرية كما هي عليها اليوم، ولم يكن الطاعون الذي سميّ «ربيعاً» قد اجتاح أي عاصمة عربية بعد.
في 2 تشرين الأول عام 1995 تغلّب «سرطان الدم» على عدنان بوظو فرحل بهدوء لينطفئ ألق التعليق على مباريات الدوري السوري، بعدها بسنتين غادر منقذ العلي دمشق نحو فرصة إعلامية ذهبية آنذاك في « شبكة الجزيرة» وظلت الملاعب الخضراء يتيمة من دون معلقيها النجوم مع مغادرات متلاحقة نحو محطات هامة مثل مصطفى الآغا الذي ذهب الى mbc، وياسر علي ديب الذي حلّ في «أوربت»، وقبل كل هؤلاء أيمن جادة أحد مؤسسي قناة «الجزيرة الرياضية».
ركب منقذ العلي (1962-2015) قافلة الموت على طريقة زميله وأستاذه عدنان بوظو، بعدما تغّلب عليه السرطان أيضاً، وقد صلي على جثمانه امس في مسجد «دار الهجرة» في ولاية فرجينيا – الولايات الأمريكية المتحدة، ووري ثرى مقبرة «سال فارد». شق العلي طريقه من حماة «مدينة أبي الفداء» نحو «جامعة دمشق – كلية الآداب» وحالما تخرّج منها وجد لنفسه فرصة في «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري - دائرة البرامج الرياضية»، وخلال عشر سنوات قضاها هناك تولى مهمة التعليق على مباريات الدوري، الى مشاركات إذاعية من دون أن يفلح بتقديم برنامجه الخاص، برغم أنه عرف طويلاً كيف يحيل التمريرة القصيرة جملة سحرية، ويصنّع من الهدف المفاجئ قنبلة فرح تفجر الاستوديو على خلفية هتاف الجماهير.
«لعبة الشعوب الفقيرة» كانت «الدينامو» الذي منحه الطاقة وصنع له حضوره لدى الآلاف من عشاق الرياضة، ومع ذلك لم يستكن لنجاحه المحلي بل غادر المؤسسة الإعلامية الرسمية التي كانت كفيلة بتحطيم طموحات غالبية من عمل فيها بسبب الفساد الإداري المستشري، فالتحق بشبكة الجزيرة عام 1997، ومنذ ذلك التاريخ قدّم نشرات رياضية على شاشة ««BeIn sports» (الجزيرة الرياضية سابقاً) حتى داهمه المرض فأُرسل في رحلة علاجية إلى أميركا عاد بعدها لفترة وجيزة، ثم مُنح تقاعداً نهائياً من قبل المحطة القطرية وسافر إلى الولايات المتحدة ليموت بعيداً عن الحريق الذي يلتهم بلاده.
المدرب ولاعب «منتخب سوريا» و«نادي الجيش» سابقاً سامر بستنلي يخطف في ذاكرته خلفاً نحو تسعنييات القرن الماضي، ويقول لنا من مقر اقامته في دبي: «التقيت منقذ مرتين. مرة في ملعب «الجلاء»، ومرة في ملعب «العباسيين»، وعندها قلت له كيف كان صوته يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرياضة فقط لمجرد أن تسمعه عبر الإذاعة أو التلفزيون تعرف أن هناك مباراة كرة قدم، تماماً كما كان صوت عدنان بوظو. كلاهما يشعرك بانتماء وطني لبلادك. خسارته هي مزيد من الخسارات الإضافية لسوريا وللأصوات المميزة في الرياضة العربية».
أما النجم السوري عابد فهد، فهو أكثر الممثلين السوريين شغفاً بكرة القدم، يقطع تصوير مشاهده في مسلسل «24 قيراط » (لريم حنا والليث حجو) ليسمع بتأثر واضح خبر رحيل مواطنه ثم يختصر بالقول: « منقذ العلي يعني ملاعبنا الخضراء … ذكريات طويلة مع زمن مضى له الرحمة وللكرة السورية طول البقاء».
أما لاعب كرة السلّة السابق، والمخرج والممثل السوري سيف الدين السبعي، فيقول في اتصاله معنا من دمشق: «منقذ العلي بالنسبة الي هو ذاكرة توازي جمال المستطيل الأخضر في دمشق أيام الزمن الهادئ. ما زال صوته وصوت عدنان بوظو وياسر علي ديب وآخرين يرن في أسماع آلاف السوريين من عشاق كرة القدم. عرف كيف يخرج من دائرة الاعلام الرسمي ويبني لنفسه مساحة خاصة، لكنه موسم هزيمتنا المستمرة أمام الموت. له الرحمة ولعائلته الصبر والسلام