نابولي | هو ملعب «سان باولو»، وهي مواجهة نابولي ويوفنتوس في عام ٢٠١١. عامذاك، كانت إيطاليا تحتفل بالذكرى الـ 150 على وِحدتها. وِحدةٌ لم ينسَ ألتراس نابولي التعليق عليها على طريقتهم الخاصّة، فرفعوا لافتتين للترحيب بخصمهم القادم من مدينة تورينو، عاصمة إقليم «بييمونتي»، وكتبوا: «أيّها «البييمونتيّ»، نصف الفرنسي، كنت غارقاً في الديون والنفقات وأصبحت رجلاً ذا سيادة عبر سرقة أموال نابولي». وأضافوا: «١٨٦١-٢٠١١: نحن عاصمة الفخر وأنتم عاصمة الصعوبات».
بهاتين العبارتين، إضافة إلى رفعهم أعلام مملكة الجنوب سابقاً والمعروفة باسم «مملكة الصقليّتيْن»، استقبلوا من يعتبرونه عدوّهم التاريخيّ.
هم اختاروا ذكرى الوحدة تحديداً، لما تمثّله من رمزية في تاريخ المدينة، إذ قبل أكثر من ١٥٠ عاماً، كانت نابولي عاصمة تلك المملكة القويّة والغنيّة، صاحبة ثالث أقوى اقتصاد في أوروبا بعد بريطانيا وفرنسا. وقتذاك، كانت المدينة تعيش أبهى أيّامها، في حين كان نظراؤها في الشمال، وعلى رأسهم تورينو، يُعانون مشاكل على كافة الأصعدة. لاحقاً، وبالتنسيق مع بريطانيا وفرنسا، شنّ الشماليون حملةً عسكرية مفاجئةً على المملكة لتسقط مدن الجنوب تباعاً، وآخرها العاصمة نابولي التي قاومت بشراسة، وليسقط معها أيضاً ما يُقارب مليون ضحية.
مع انتهاء الحرب وإعلان وحدة إيطاليا، فقد الجنوب أهميته وخسر مكانته الاقتصادية وتفشّت فيه البطالة وهاجر أبناؤه، ولاحقاً تمركزت المافيا في ثلاثٍ من مدنه الرئيسيّة، وبات تابعاً للشمال الذي انتعش وأصبح أكثر أهميّة ومركز الثقل الاقتصادي. أما نابولي فهُمّشت ونُهبت أموال مصارفها، بينما تمّ إعلان تورينو كعاصمة لإيطاليا الموحدة. هذه الأحداث التاريخيّة التي استذكرها ألتراس نابولي، تُعتبر أحد أسباب العداء تجاه مدينة تورينو وفريقها يوفنتوس، لكنّها ليست السبب الوحيد، فهناك من يُفضّل التعامل مع كرة القدم كرياضة بغضّ النظر عن السياسة والتاريخ، لكن حتى هؤلاء يعتبرون «اليوفي» عدوّهم الكروي الأول.

حين يتعلّق الأمر بالشمال والجنوب تثار الحساسيات المناطقية


أما السؤال المطروح، لمَ يوفنتوس تحديداً وليس أحد قطبي مدينة ميلانو أو العاصمة روما؟ الإجابة بسيطة: يُعتبر فريق نابولي كبير الجنوب فيما يتزعّم يوفنتوس أندية الشمال. وحين يتعلّق الأمر بموضوع الشمال والجنوب في إيطاليا، تصبح الأمور أكثر سخونة وإثارة للحساسيات المناطقية. لذا، لطالما حفلت مواجهتهما بالندّية بغضّ النظر عن الفوارق الفنيّة. هذه الفوارقٌ اختفت مع وصول «الأسطورة» الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، فأصبح نابولي رقماً صعباً تطمح كافّة الأندية إلى إطاحته، وفي مقدمتهم يوفنتوس بقيادة «أسطورته» الفرنسي ميشال بلاتيني.
لاحقاً، مع رحيل «الولد الذهبي» وإفلاس نابولي، خفت بريق هذه الثنائية لتعود وتشتعل من جديد مع عودة الفريق الازرق إلى الواجهة في الاعوام الاخيرة. عودةٌ عكست أنّ العداء لا يزال موجوداً. ففي عاصمة الجنوب، تستطيع ملاحظة مدى كره يوفنتوس. هنا، كثيراً ما تعرضت حافلتهم للاعتداء، كما أنه في بعض المتاجر، يمكنك شراء أكياس للنفايات تحمل ألوان وشعار «السيدة العجوز». وقد تصادف صبيةً يمارسون الكرة ويطلقون هتافاً معادياً ليوفنتوس عند تسجيل الأهداف.
أما في شمالي غربي إيطاليا، فجمهور الفريق الأسود والأبيض يُبادلهم العداء ذاته مغلّفاً بالسخرية والنظرة الفوقيّة والعنصرية، وهو ما يُزيد من الحساسية والكره الموجودين، اذ إضافة إلى ترديدهم لهتافات يدعون فيها بركان نابولي «فيزوف» إلى الانفجار وغسل المدينة بحِمَمِه، لطالما رفعوا لافتات مكتوب عليها «أهلاً بكم في إيطاليا». وفي احدى المرات رفع أحد جماهيرهم كيساً من القمامة مع عبارة «وقع من حافلتكم» في تهكّم على مشكلة النفايات التي عانت منها نابولي. وأخيراً، خلال مواجهة يوفنتوس وبوروسيا دورتموند الألماني في دوري الأبطال، تمّ رفع لافتة مكتوبٌ عليها «نابولي كوليرا».
تختلف حسابات الفريقين في مواجهة الليلة على صعيد النتيجة بعدما حسم «اليوفي» اللقب، لكن الجماهير لا تهتّم كثيراً بهذه التفاصيل، فهي تبحث عمّا يشفي غليلها. ففي حين يريد مشجّعو يوفنتوس فوزاً يكرّسون به «فوقيّتهم» وعلوّ كعبهم على عدوّهم الجنوبيّ، يرغب النابوليتان في تحقيق انتصارٍ في مباراة الكبرياء والتاريخ وردّ الاعتبار التي تتجدد في كل موسم.