كان ليستر سيتي الحدث منذ ليل اول من أمس، وأي حدث أهم من أن يُتوّج هذا الفريق المغمور بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم قبل جولتين على ختامه مستفيداً من تعثر توتنهام أمام تشلسي 2-2، وأي نبأ أشد وقعاً من أن تنتقل الزعامة الإنكليزية إلى مدينة ليستر الصغيرة بينما كبرى المدن الإنكليزية تقف متفرّجة من لندن إلى مانشستر وليفربول. كلٌّ يسعى إلى نسيان موسمه الذي عانى فيه الأمرّين، بينما ليستر ستحتفظ طويلاً بهذه الذكرى، بكل تفاصيلها، بكل جزئياتها، منذ البداية إلى النهاية وما أحلى هذه النهاية. نهاية لقصة جميلة سيذكرها تاريخ "البريميير ليغ" وستحكيها أجيال لأجيال عن فريق صغير خرج ذات يوم من مدينته ليتحدى كبرى الفرق الإنكليزية ويطيحها الواحد تلو الآخر. سيحكي التاريخ أن فريقاً علّم الجميع سبيل الوصول إلى القمة برغم قلة الحيلة، برغم المؤونة اليسيرة لكنه أكمل الطريق، أكملها بعزيمته وطموحه اللذين فاقا كل التوقعات، وأطاحا كل الترشيحات. سيحكي التاريخ عن فريق جعل من المستحيل ممكناً، وصنع من الحلم حقيقة، وأي حلم هذا وما أروع هذه الحقيقة.
في لقب ليستر عِبَر كثيرة، عِبَر يجدر أن تُدرَّس بدءاً من أن العطاء والتضحية في الملعب أقوى من رزم المال في البنوك التي تدير الفرق وتصنع منها واجهات براقة لكنها مفرغة من معانٍ كثيرة، من معاني البذل والعزيمة والصمود والتحدي في عالم الكرة، على عكس ليستر الذي تحكي واجهته عمّا في داخله. هنا، في حالة ليستر، "البضاعة" أصلية لا اصطناع فيها، وبالمفهوم الكروي أن تكون أصلية يعني أن يقدّم اللاعب كل ما يملك من أجل فريقه غير مبالٍ براتبه المليوني في نهاية كل أسبوع على غرار لاعبي الفرق الكبرى وما أكثرهم. وفي هذه الحالة، يصبح لقب ليستر ذا قيمة عالية، عالية جداً عندما نعلم أن سعره لا يصل إلى ربع سعر أي من الفرق الكبرى، إذا ما علمنا أن سوق انتقالات ليستر (صرف 23 مليون جنيه استرليني فقط) في الصيف الماضي لا تساوي عُشْر سوق انتقالات مانشستر سيتي على سبيل المثال وحتى جاره يونايتد اللذين بذخا بالأموال الطائلة، لكن في النهاية وقفا في الصف الطويل للفرق الكبرى ليصفقا لفريق المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري ولاعبيه بل قل لمحاربيه الأكفاء.
ما يزيد من روعة وأحقية هذا اللقب بالتحديد أو هذه المفاجأة الضخمة أنها في دوري - بخلاف أنه "البريميير ليغ" وما أدراك ما صعوبة المنافسة في هذه البطولة - أي إنها ليست في بطولة كأس من مباريات قليلة تشهد في أدوارها الإقصائية خروج المغلوب ويمكن للحظ أن يؤدي دوراً كبيراً فيها، إنما لقب فريق "الثعالب" جاء في بطولة طويلة وشاقة وتحتاج إلى مجهودٍ والأهم إلى تركيزٍ كبيرٍ في ظل ضغوطٍ لا تحتمل.
هي المفاجأة الكبرى التي لم يشهد لها الدوري الإنكليزي مثيلاً، هي المعجزة، هي الأسطورة، كلها أوصاف تصح في لقب ليستر الذي وصل إلى لقبه بعرقه، بكفاحه. قد يقول البعض أإن هذا الموسم ابتسم لفريق "الثعالب" نظراً لتذبذب مستوى الفرق الكبرى الأمر الذي ساعده على الزحف رويداً رويداً والوصول إلى منصة التتويج، لكن هذا لا يقلل من عظمة الإنجاز ووقعه وخصوصاً أن من حققه هو فريق بصغر ليستر.
أمّا وقد أصبح الحلم حقيقة، وأصبحت كأس "البريميير ليغ" في مدينة ليستر، فمن حق هذه المدينة وشعبها أن يحتفلاا كما لم يفعل غيرهما قبلاً، إذ إن انجازهما يحتمل أن يكون الإحتفال فيه غير عادي، غير تقليدي، غير عابر، من حقهما أن يشكرا طويلاً فريقهما الذي صنع البهجة لهما، بهجة اتسع أفقها ليشمل كثيرين في العالم تحوّلوا إلى صف هذا الفريق وناصروه في طريقه نحو اللقب، نحو روعة الكرة التي نعشقها كما عبّر عن ذلك النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي.




رانييري فخور والمُلّاك سيقاومون الانتقالات
أشاد كلاوديو رانييري بـ "تصميم وذهنية" لاعبيه بعد نجاحهم في التتويج بلقب الدوري الإنكليزي، إذ نقل موقع ليستر الرسمي على "الإنترنت" عن المدرب قوله: "أنا فخور جداً. أنا سعيد جداً للاعبين، لرئيس النادي، لجميع العاملين في ليستر سيتي، جميع أنصارنا وسكان ليستر".
من جهة أخرى، تعهد المُلّاك التايلانديون لليستر بمقاومة أي ضغوطٍ لبيع اللاعبين، حيث قال نائب رئيسه التايلاندي، إياوات سريفادذانابرابها، في تصريح للتلفزيون المحلي: "ليستر سيتي ليس الفريق الذي سيبيع لاعبيه. مثلما قلت منذ اليوم الأول نبحث عن خلق أسس فريق".