في خضمّ الأحداث الرياضية واستعراض أبرز المحطات في هذا العام، ثمة يوم لا يجدر أن نغفل عنه، بل حتى أن يظل حاضراً طيلة أيام السنة. هو 29 كانون الأول الذي تعرّض فيه "أسطورة" الفورمولا 1 الألماني ميكايل شوماخر لإصابة خطيرة في رأسه كادت تودي بحياته وأدخلته في غيبوبة طويلة.
كان ذلك في 2013، وقبل يومين من انتهاء العام، حين صعق العالم بهذا النبأ، وكان عدم التصديق هو المسيطر إزاء رجل تحدّى المخاطر على حلبات السرعة فكيف به يُهزم وهو يلهو خلال التزلج؟ كان المشهد غريباً ويحمل كل التناقضات وعصيّاً على الاستيعاب، إلا انه القدر. القدر الذي جعل أيقونة السباقات طريح الفراش، والقدر نفسه من أبقاه على قيد الحياة.
لكن الحياة التي يعيشها البطل الألماني تختلف عن حياتنا، إذ إنه لا يستطيع الحركة ولا الكلام. محزن للقلوب حقاً ما آل إليه مصير من كان أي شخص على هذا الكوكب يتباهى بسرعته بالتشبه به، نظراً إلى شهرته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس.
ترى بماذا يفكر شوماخر الآن؟ هل يمر يومياً شريط حياته المليء بمحطات البطولة أمامه ويروح يذرف الدموع؟ لا، من عرف شوماخر كبطل لن يرسم هذا المشهد في مخيلته. شوماخر لا يستسلم، قلبه الكبير الذي كان يتسع لملايين المحبين، يحتمل الصعاب ويهزمها. يكفي أنه لا يزال بيننا بعد الذي مرّ عليه ليكون هذا انتصاراً.
ما هو واضح أن الطريق لا يزال طويلاً أمام شوماخر في صراعه مع وضعه الحالي. كل شيء مبهم حالياً. قلة من الأصدقاء المقربين الذين يعودونه في منزله في جنيف للاطمئنان عليه، لكنهم لا يخرجون بالخبر اليقين، بينهم رئيس الاتحاد الدولي للسيارات حالياً وفيراري السابق، الفرنسي جون تود، الذي يرتبط به بصداقة وطيدة حيث يقول: "شوماخر يواصل القتال"، أما صديقه الآخر البريطاني روس براون، المدير السابق لفيراري ومرسيدس، والذي أقنع "شومي" بالعودة عن اعتزاله في 2010، فيقول: "نواصل الصلاة من أجل أن يتعافى، على الأقل إلى مستوى معين. هذا بطيء لكن هناك دائماً الأمل".
يكفي فقط للتعاطف مع شوماخر معرفة أن زوجته كورين باعت بعض العقارات رغم الثروة التي جمعها الألماني في مسيرته من أجل نفقات العلاج، إذ إنها تبلغ نصف مليون يورو في الشهر الواحد.
لكن الأهم من ذلك أن تترك الأقلام هذا البطل وأسرته في شأنهم، إذ كان من المؤسف خلال الفترة الماضية أن ثلاث صحف ألمانية أكدت في شهر تموز الماضي أن شوماخر نطق بكلماته الأولى منذ الإصابة حيث قامت العائلة برفع دعاوى على كل منها، على ما تفيد الناطقة باسم البطل الألماني، سابين كيم، فيما أكدت صحيفة أخرى قبل أيام أن "شومي" تمكن من المشي ورفع يده اليمنى، وهو ما نفته كيم تماماً مطالبة باحترام خصوصية البطل السابق.
المهم أن الحياة ستستمر مع هذه العائلة رغم ما تعانيه، فها هو نجل ميكايل ميك (16 عاماً) يسير على خطى والده بدخوله عالم الفورمولا 1، فيما كريمته جينا (18 عاماً) تمارس الفروسية، فضلاً عن دور الوالدة كورين في تحمّل مسؤولية العائلة، وهذا إن دلّ على شيء فعلى الإرادة الصلبة والتحدي اللذين نقلهما شوماخر إلى المحيطين به، وهما السبيل نحو الخروج من هذا النفق المظلم.
بعد مرور عامين على حادثه الأليم، ومع انتهاء العام الجديد وقبل أيام من عيد ميلاده السابع والأربعين (يصادف في الثالث من شهر كانون الثاني)، ليس أمام شوماخر، في وحدته، إلا تأمل زرقة مياه بحيرة جنيف المطل عليها منزله والأمل بغد مشرق. غدٌ يتطلع إليه الملايين من عشاق هذا البطل.