... وفي المرحلة السادسة والعشرين من الدوري الإسباني لكرة القدم، باتت الصدارة، وبسداسية، في قبضة برشلونة. صحيح أن مستوى «البرسا» شهد تطوراً هائلاً منذ مطلع العام الجديد، لكن الغريم ريال مدريد أيضاً قدّم إليه هذه الصدارة على «طبق من ذهب» بسيره في اتجاه معاكس تماماً.
مجدداً أداء رائع لـ «البرسا» ومخيّب جداً لبطل أوروبا حصد من خلاله هذه المرة خسارة مستحقة تماماً على ملعب اتلتيك بلباو وسط تشتت الفريق وانتفاء روح المجموعة التي تحلى بها في النصف الأول من الموسم. ريال مدريد حالياً عبارة عن شبح لذاك الفريق الذي أرعب أوروبا منذ الموسم الماضي... كل هذا وكارلو أنشيلوتي لا يحرّك ساكناً برغم أن السفينة الملكية تزداد غرقاً وتمضي قدماً نحو ضياع كل شيء، كل هذا والمدرب الإيطالي يبدو عاجزاً عن فعل أي شيء.
بطبيعة الحال، فإن أنشيلوتي حالياً في وضع لا يحسد عليه على الإطلاق، فالرجل الذي تغنّت به مدريد في الموسم الماضي كثيراً عندما قاد فريقها إلى الحلم الكبير بلقبه العاشر «لا ديسيما» في دوري أبطال أوروبا، بات محط شكوك كبيرة وتساؤلات كثيرة.
إذ إن من يشاهد ريال مدريد في المباريات الأخيرة يقف أمام فريق لا روح له ولا خطة واضحة، حتى إن الانتصارات التي تحققت على شالكه الألماني وإلتشي بعد فضيحة الرباعية أمام اتلتيكو مدريد كانت غير مقنعة على الإطلاق.
القول بأن غياب سيرجيو راموس والكرواتي لوكا مودريتش والكولومبي خاميس رودريغيز مثّل ضربة قوية لريال مدريد هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً ان هذا الغياب جاء كاختبار حقيقي لأنشيلوتي في البيت الملكي وكشف ما كان خافياً. النتيجة أن الإيطالي فشل في إيجاد الحلول وإظهار دهائه لرأب الصدع الذي خلّفه هذا الثلاثي.

افتقاد أنشيلوتي الدهاء التكتيكي في قلب المجريات لمصلحة فريقه

فلنأخذ مثلاً خطط انشيلوتي، حيث ظل الإيطالي محافظاً على خطة 4-3-3 برغم الضعف الكبير الذي أصاب خط الوسط مع غياب المبدع رودريغيز هجومياً، وصاحب الأدوار الكثيرة مودريتش، ما أدى الى فقدان ريال السيطرة على هذا الخط مع تحوّل الضغط كلياً على الالماني طوني كروس، الذي اشتكى أصلاً من التعب وكثرة المشاركة، وذلك إزاء الدور الهجومي لإيسكو، وضعف قدرات آسيير يارامندي وعدم مشاركة الثلاثي البرتغالي كريستيانو رونالدو والويلزي غاريث بايل والفرنسي كريم بنزيما في الشق الدفاعي، وهذا ما أدى من جهة أخرى إلى التباعد بين خطي الوسط والهجوم وغياب الحلول التي أضحت في كثير من الأحيان تتوقف على الكرات الطويلة!
فضلاً عن ذلك، فإن نقطة أخرى برزت في المباريات الأخيرة وهي افتقاد أنشيلوتي الدهاء التكتيكي في قلب المجريات لمصلحة فريقه، حيث اتضح حرصه الشديد برغم معاناة ريال تحديداً في الشق الهجومي، وهذا ما يمكن تلخيصه في مباراة السبت، بحيث لم يمتلك الإيطالي الشجاعة على الزج بمهاجم بدلاً من أحد المدافعين على الأقل في ربع الساعة الأخير، برغم أن المجريات كانت توضح بأن ريال متجه للخسارة، إذ اكتفى فقط بتغيير لاعبين في نفس المراكز والأدوار. اما في المباراة السابقة أمام فياريال، فإن انشيلوتي ارتكب خطأ فادحاً عندما استبدل صاحب الحلول إيسكو في ربع الساعة الأخير بيارامندي صاحب النزعة الدفاعية برغم ان النتيجة كانت تشير إلى التعادل 1-1، ليعود ويعتذر عن خطئه!
ثم ماذا عن قوة شخصية أنشيلوتي وقدرته على فرضها على لاعبيه، تحديداً على النجوم الكبار منهم؟ ما اتضح في هذه الفترة أن الايطالي بدا ضعيفاً في هذا الجانب، إذ إنه لا يجرؤ مثلاً على منح الراحة لبنزيما أو بايل المتراجعين بشدة ومنح الفرصة للاعبين آخرين على مقعد البدلاء مثل المكسيكي خافيير هرنانديز أو خيسي رودريغيز، حيث ظل محافظاً على الوجوه ذاتها برغم الإجهاد والغيابات ودمّر في المقابل ثقة لاعبي الاحتياط بأنفسهم، هذا دون توسيع الدائرة والحديث عن صلاحيات أنشيلوتي في البيت الملكي ككل، وتحديداً لناحية العلاقة مع الإدارة وعلى وجه الخصوص مع شخص الرئيس فلورنتينو بيريز.
الأكيد الآن أن أنشيلوتي في وجه العاصفة. مودريتش عاد ورودريغيز وراموس سيلحقان به، ومعهم قد يعود ريال مدريد، لكن العودة هنا ستُحسب للاعبين لا في مصلحة الإيطالي بعد الاختبار الذي خضع له في غيابهم، علماً ان هذه العودة قد لا تكون كافية مع وصول برشلونة لصدارة «الليغا»، والمنافسة الحامية التي تنتظر الفريق في دوري الأبطال من كبار «القارة العجوز».
ما يجدر قوله هنا أن في البيت الملكي، ثمة من يدوّن كل لحظة بلحظتها ويحصي سلبياتها قبل الإيجابيات، ويعطي المحصلة في نهاية الموسم حتى لو حضرت فيه الألقاب وعلى رأسها اللقب الأوروبي الكبير. في البيت الملكي، ثمة تجارب سابقة يشهد عليها الألماني يوب هاينكس المُقال في نهاية موسم 1997 برغم فوزه بـ»التشامبيونز ليغ»، والإيطالي فابيو كابيللو المقال في نهاية موسم 2007 برغم تحقيقه لقب «الليغا»، وثمة في المقابل مشاريع مستقبلية تطبخ، دوماً، على نار هادئة.