منذ فترة ليست ببعيدة، باتت البيانات الإعلامية النارية والمهددة جزءاً لا يتجزأ من الدوري اللبناني لكرة القدم، إذ لا تكاد تمرّ مرحلة من دون أن يخرج هذا النادي أو ذاك ببيان يستنكر فيه أو يأسف أو يهاجم ويتوعّد. لكن ما هي إلا أيام قليلة، حتى يذوب هذا البيان في بحر المشكلات التي لا تنتهي، والتي تعيشها اللعبة، فتُسلّط الأضواء على المشكلة المستجدة ويصبح الحديث عنها مكثّفاً دون سواها.
أما ما حصل في نهاية الأسبوع الماضي، وامتداداً إلى مطلع الأسبوع الحالي، فهو قصة مغايرة تماماً، إذ لم يكن هذه المرّة البيان موجّهاً لانتقاد الحكام أو اتحاد اللعبة، كما جرت العادة في غالبية البيانات التي طالعتنا بها الأندية منذ انطلاق الموسم، بل كان البيان الهجومي الذي عمّمه نادي السلام زغرتا يطاول نادياً آخر وشريحة من جمهوره حضرت إلى ملعب المرداشية السبت الماضي لمتابعة مباراة بدت صاخبة في بدايتها على المستطيل الأخضر، وتحوّلت أكثر صخباً في نهايتها على المدرجات. والقصة المغايرة هنا أيضاً، كانت الردّ النجماوي وتراشق الكلام الإعلامي بين الطرفين المختلفين، فضلاً عن الثورات التي تأججت على مواقع التواصل الاجتماعي بين مشجعي الناديين. لكن كل هذا لم يكن السبب الأساس في عدم انطفاء خط النيران الممتد من بيروت إلى الشمال، فالحالة الاستثنائية التي أبقت كل الكلام يدور حول ملعب المرداشية ونادي السلام زغرتا، هي ترقّب النجمة حزم حقائبه والذهاب مجدداً باتجاه الملعب عينه لمقابلة الغريم اللدود بالنسبة إليه في العصر الحديث للعبة، أي فريق العهد، وذلك بعد أسبوعٍ فقط على الموقعة النجماوية - الزغرتاوية التي كادت تخطّ صفحة مأسوية في تاريخ الكرة اللبنانية وتشوّه الجمالية الفنية لتلك المباراة التي شهدت أهدافاً خمسة.
اتصالات رياضية
وأخرى سياسية طالبةً تهدئة الأوضاع

إلا أن المنعطف الخطير الذي تلا البيانات، كان مراسلة السلام للاتحاد اللبناني، بحسب ما أفاد رئيس النادي الزغرتاوي الأب أسطفان فرنجية، لطلب عدم استقبال الجمهور خلال الموقعة المرتقبة، إذا ما ثبّت الاتحاد المباراة في المرداشية. وعلمت "الأخبار" من مصادر اتحادية أن الاتحاد لم يرسل أي جواب على كتاب السلام، ما يعني أن الأمور باقية على حالها، والمباراة ستقام بحضور الجمهور، رغم أن الأب فرنجية كان قد أكد في حديث تلفزيوني مساء الاثنين أن ناديه موافق على استقبال اللقاء، لكن من دون حضور مشجعي الفريقين.
وفي موازاة كل هذا الكلام، وترقّب جمهور النجمة لما سيحدث على اعتبار أن فريقه سيكون المتضرر الوحيد من قرار إبعاده لأنه سيكون أحد الأسلحة التي سيحتاجها بقوة في مواجهة فريقٍ أفضل منه فنياً، بدا أمس وكأن سلّة من الحلول في طريقها إلى زغرتا، فكان أوّل المبادرين الأمين العام للاتحاد اللبناني جهاد الشحف، الذي اتصل بالأب فرنجية من خارج البلاد، طالباً منه تهدئة الأوضاع. هذا في وقتٍ تكثّفت فيه الاتصالات مع الجهات السياسية المرتبطة بالسلام بهدف طلب تبريد الأجواء، وذلك وسط تقاطع معلومات على هذا الصعيد، مع إصرار هذه الجهات على عدم وضعها في مواجهة سياسية مع أي طرف، وخصوصاً في ظروف حسّاسة، رافضةً أصلاً تسييس ما حصل، ومطالبةً أيضاً بإرساء الهدوء.
والهدوء هو ما يريده الأب فرنجية، الذي قال في اتصالٍ مع "الأخبار": "سبق أن طالبنا في أحد اجتماعات الأندية بوضع آلية مشتركة لضبط الجمهور، الذي يعدّ من مسؤولية الأندية التي تتغرّم اليوم بسبب تصرفات بعض المشجعين، لكن لم ينصت إلينا أحد. نريد أن يكون الجمهور عاملاً مساعداً لا مضرّاً باللعبة". وتابع: "لم نحسم بعد مسألة قبولنا بحضور الجمهور في مباراة السبت، وسنعرض على من نلتقي طلباتنا التي ترتبط بشروط السلامة الخاصة باللقاء وبالملعب على حدٍّ سواء، فهذا الملعب أخذ من تعبنا الكثير وسافرنا حول العالم لتأمين تشييده، وبالتالي كيف لنا أن نصلحه إذا تضرّر؟".
وإذ بدا الأب فرنجية ليّناً في حديثه بقوله: "هدفنا زرع الخير والمحبة"، فإنه من دون شك أسهمت خطوات التهدئة التي حصلت في ردم جزءٍ غير بسيط من المشكلة. وهذه الخطوات يُنتظر أن تستكمل مع زيارة متوقعة اليوم لوفدٍ نجماوي يضمّ أشخاصاً فاعلين في الشق الجماهيري ومحامي النادي محمد عراجي الذي كان قد أصدر بياناً شخصياً ردّاً على أحد بيانات السلام، لكنه بعدها عمل على تكثيف الاتصالات لتقريب وجهات النظر. كذلك، تعمل أطراف كانت ممتعضة حتى الأمس القريب، لكنها مستفيدة من الصورة الجماهيرية التي يرسمها جمهور النجمة في لقاءات كهذه، على غرار ما حصل في الموسم الماضي في صيدا، على الدفع إلى لقاء آخر، فحلّ حبي يرضي الجميع، في وقتٍ يُنتظر فيه لقاء عالي المستوى في منتصف الطريق لا يريد منه الأب فرنجية سوى فتح كرسي الاعتراف أمام من اتهمه بوصف جمهور النجمة بـ "الزعران".