منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها النجم الألماني لوكاس بودولسكي إلى مطار ميلانو، ومنذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها قدماه ملعب تمارين فريقه الجديد إنتر، ومنذ اللحظة الأولى التي دخل فيها إلى «يوفنتوس ستاديوم» لمواجهة بطل إيطاليا، لم تتركه كاميرات الإعلام. في المباراة أمام «السيدة العجوز»، كان بودولسكي الأكثر حضوراً على الشاشة، رغم أنه لم يبدأ اللقاء أساسياً. قبل صافرة البداية وبعدها وفي كل فترة توقف، ووصولاً إلى استراحة ما بين الشوطين، كان المخرج ينقل إلينا تحركات «بولدي».
هو أمر مستغرب طبعاً، ففي نهاية المطاف لا يُعَدّ بودولسكي النجم الأكبر في ألمانيا، ولن يكون النجم الأكبر في الـ»سيري أ» بالتأكيد بعدما فقد الكثير خلال فترة مكوثه على مقاعد البدلاء مع أرسنال الإنكليزي. لكن ما نُقل إلينا من صورٍ له يعكس بوضوح أمرين أساسيين: الأول هو حالة اليأس التي أصابت جمهور إنتر الذي بات يرى أي وافدٍ جديد نجماً كبيراً، والثاني هو التفاؤل بوجود لاعبٍ ألماني في صفوف الفريق، يعيد شيئاً من مشهد الأمجاد التي عرفها «النيراتزوري» مع ثلاثي ألماني رهيب في أواخر الثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي.
بطبيعة الحال، بودولسكي قادر على رسم صورةٍ جميلة مع إنتر، ليس لأنه بطل للعالم فقط، وليس لأنه حصد خبرة كبيرة في الملاعب الأوروبية مع فرقٍ معروفة مثل بايرن ميونيخ وأرسنال، بل لأنه يعيش حالة جوع تعطيه دافعاً أكبر لتقديم كل ما لديه. وهذا الأمر ثبت مع دخوله في اللقاء أمام «اليوفي»، حيث بدّل من وجه إنتر وجعله أفضل بكثير من الناحية الهجومية، ولولا رعونة الأرجنتيني ماورو إيكاردي في مرحلةٍ أولى، وطمعه في مرحلةٍ ثانية، لكان بودولسكي قد خرج من مباراته الافتتاحية بالقميص الأسود والأزرق بتمريرةٍ حاسمة وهدف.
ويأتي دافع بودولسكي أيضاً من تصويره منقذاً للفريق من قبل جمهور «النيراتزوري» لسببٍ بسيط، وهو أنه يحمل الجنسية الألمانية.
أحب مالك إنتر
الحالي النادي بسبب ماثيوس وبريمه وكلينسمان



إذاً، علم ألمانيا سيعود إلى مدرجات «سان سيرو». عودةٌ تدفع إلى التفاؤل بالنسبة إلى مشجعي إنترناسيونالي، فهناك رفرف هذا العلم تحية لثلاثة لاعبين ألمان طبعوا مرحلة مجيدة من تاريخ الفريق بطابعهم الخاص، وهي المرحلة التي جعلت المالك الحالي للنادي الملياردير الإندونيسي إيريك ثوهير يُغرم بفريقٍ اسمه إنتر، فطمح في بادئ الأمر إلى أن يصبح لاعباً محترفاً ليدافع عن ألوانه، لكن انتهى به المطاف مالكاً له من شدّة تقديره لهذا النادي.
من أسَر ثوهير وكل محبي إنتر في الثمانينيات هو الثلاثي الألماني الشهير لوثار ماتيوس وأندرياس بريمه ويورغن كلينسمان، الذين توّجوا مع «المانشافت» بمونديال 1990. لكن قبلها كان ماتيوس وبريمه قد وصلا إلى ميلانو وحملا الفريق إلى لقب «السكوديتو» في موسم 1988-1989، قبل أن ينضم إليهما كلينسمان ليرفعا معاً كأس الاتحاد الأوروبي في نهاية موسم 1990-1991.
في تلك الفترة كان يسمح لكل فريق بضم ثلاثة لاعبين أجانب فقط، فكان خيار إنتر الألمان قبل أي أحدٍ آخر، وذلك ردّاً على وجود الثلاثي الهولندي الرائع في ميلان، والمؤلف من رود غوليت، ماركو فان باستن، وفرانك رايكارد، بينما وقف نابولي ندّاً لهما بنكهة أرجنتينية - مارادونية.
نجوم إنتر الألمان لم يسقطوا من الذاكرة، رغم تعاقب عظماء على ارتداء قميص الفريق، أمثال البرازيلي رونالدو وروبرتو باجيو وغيرهما، إذ بنى هؤلاء علاقة خاصة مع «التيفوزي»، قوامها الاحترام المتبادل، إذ إن ماتيوس وكلينسمان يرددان دائماً بأن أفضل تجربة خارجية لهما كانت في إنتر، بينما لا يفوّت بريمه الفرصة ليكون في «سان سيرو» وليحضر مباريات الفريق، أقله خمس مرات في الموسم.
لكن رغم الإيجابية الكبيرة التي يدخل فيها بودولسكي متسلحاً بجنسيته، فإنّ عليه الحذر، لأن ما سميّ يوماً «جنة الكرة»، أي الدوري الإيطالي، لم يخدم نجوماً ألمان تحوّلت مسيرتهم إلى جحيم في ملاعب الـ«سيري أ». من هنا، كانت تجربة كارل هاينتس رومينيغيه الذي انتقل من بايرن ميونيخ عام 1984، سيئة بعدما تخبّط طوال ثلاثة أعوام بالإصابة التي دفعته للرحيل إلى سرفيت السويسري، بعدما سجل 24 هدفاً في 64 مباراة بألوان إنتر.
كذلك، لم يعرف ألماني آخر يحمل اسماً أكبر من بودولسكي في عالم الكرة، وهو ماتياس سامر، تجربةً طيّبة في الملاعب الإيطالية، حيث لم يتأقلم مع أجوائها، فعاد سريعاً إلى «البوندسليغه» بعد 11 مباراة فقط مع إنتر، فوُسم بالفشل ليردّ بحمل الكرة الذهبية عام 1996.