لا تتوقف السياسة عن التدخل في الرياضة؛ فها هو وزير الخارجية الإيراني يرى أن خروج «الأعداء» كان بسبب فرضهم عقوبات على بلاده، وها هو مدرب منتخب فرنسا يمثل أمام البرلمان في بلاده
حسن زين الدين
لم تعد كرة القدم مجرد لعبة رياضية يمارسها 22 لاعباً على مستطيل أخطر، إذ ثمة لاعبون في الكواليس يستخدمون اللعبة الشعبية الأولى لغايات تتخطى المرح والتسلية. نحن هنا أمام «حرب باردة» بدأت منذ عام 1920 عندما قال مدير الدراسات الفيزيولوجية الفرنسي، غاستون فيدال، كلمته الشهيرة: «أصبحت الرياضة خدمة للأمة».
نحن هنا أمام لعبة دفعت الديكتاتور الإيطالي السابق بينيتو موسوليني إلى اعتبار فوز بلاده بمونديال عام 1934 بأنه «انتصار على العالم».
من هنا، باتت طبيعية رؤية رؤساء الجمهوريات والحكومات حاضرين في مدرجات ملاعب كرة القدم، وخصوصاً في المباريات الحساسة وخلال بطولة بحجم كأس العالم تحديداً. لذا، بات من الطبيعي أيضاً أن يخرج وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بتصريح يستفز فيه «أعداء الأمة» قاصداً فرنسا والولايات المتحدة وإنكلترا غداة خروجهم من المونديال. وبحسب صحيفة «لو موند» الفرنسية، ونقلاً عن وكالة الأنباء الإيرانية، رأى متكي أن خروج هذه البلدان كان مستحقاً بعد فرضها عقوبات جديدة في 9 حزيران الماضي على بلاده على خلفية برنامجها النووي، قائلاً: «هذه البلاد التي أدت دوراً رئيسياً في فرض عقوبات علينا خرجت من الأدوار الأولى».
العقوبات على إيران سبب لخروج أعدائها بحسب متكي
هذا التصريح استفز الصحيفة الشهيرة في فرنسا التي لم تغفل أن تدعو متكي إلى الكفّ عن إطلاق تصريحات غير ضرورية ومشاهدة المباريات، مذكرةً إياه بأن فرنسا وحدها من خرج من الدور الأول من المونديال، غامزة في الوقت عينه من قناة التهكم الذاتي على الخروج الفرنسي المذلّ الذي لم تكفّ الصحف الفرنسية عن انتقاده حتى اللحظة بشدة، وهذا ما جعل البرلمان الفرنسي يستجوب وزيرة الرياضة في البلاد روزلين باشلو ورئيس الاتحاد الفرنسي المستقيل جان ـــــ بيار إسكاليت ومدرب المنتخب ريمون دومينيك عن سبب الخروج المفاجئ.
وبعيداً من فرنسا ومشاكلها الداخلية الرياضية التي لم يُستثن منها حتى الرئيس نيكولا ساركوزي، فاجأ الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون العالم بحضوره مباراة منتخب بلاده أمام الجزائر لشدّ أزره. أما الرئيس باراك أوباما فقد استقبل المنتخب الوطني قبل توجهه إلى جنوب أفريقيا في رسالة واضحة المعالم وتحمل أبعاداً سياسية من رئيس يعشق كرة السلة ولا يفقه في كرة القدم إلا القليل.
هذا في الولايات المتحدة، أما في ألمانيا وإنكلترا، فحدّث ولا حرج؛ إذ إن الحرب الإعلامية بين البلدين انطلقت قبل المونديال عندما انتقدت الصحف الإنكليزية القميص الألماني الأسود، مشبهة إياه بقميص قوات «العاصفة» أيام «الفوهرر» أدولف هتلر (الأخبار عدد 2 شباط 2010)، والمعركة استكملت بعد فوز ألمانيا على إنكلترا 4ـ1 في المونديال الحالي حيث رأت الصحف الألمانية أن بلادها «صفّت حساباتها السابقة مع الإنكليز» وهذا ما استفز صحف إنكلترا.
التهكّم الألماني وصل حتى إلى البرلمان عندما تقدّمت لجنة الالتماسات بالبرلمان بطلب للاعتراف بهدف إنكلترا في مرمى ألمانيا بعد تجاوز الكرة خط المرمى على نحو واضح. وجاء في الالتماس الذي تقدمت به رئيسة اللجنة كيرستن شتاينكه أن الرغبة وراء احتساب الهدف الصحيح ترجع إلى «تطبيق الروح الرياضية والعدل».
وكم كان المشهد معبّراً في حضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (التي ستسافر إلى جوهانسبورغ لمتابعة مباراة بلادها أمام الأرجنتين)، ورئيس الوزراء الإنكليزي ديفيد كاميرون مباراة بلديهما معاً خلال اجتماعهما المشترك على هامش قمة «مجموعة العشرين» في كندا.
كل ذلك يحدث في العالم إذاً، بينما الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يستمتع بانتصارات بلاده وهو لم يتوانَ عن استخدام أبواق «الفوفوزيلا» المزعجة للتعبير عن سعادته... فعلاً مزعجة السياسة!