في تمام الساعة الخامسة صباحاً، فجر كل يوم، تنطلق رحلة المحامي مازن القاسمي، اليومية من حمص باتجاه العاصمة دمشق، لا بهدف التسلية ولا المتعة، لأن مرافقيه يتّجهون إلى مشفى البيروني لمتابعة علاجهم الكيميائي من السرطان، بعدما اضطرهم فيروس "كورونا" والحجر المفروض إلى توقيف العلاج أو تكبّد الكثير من النفقات لمتابعته.الرحلة التي يقوم بها القاسمي، تطوعية بالمطلق، وهو بدأها قبل نحو الشهر بدافع مساعدة المرضى الذين عانوا من منع السفر بين المحافظات. ولأنه خسر والديه بعد رحلة متعبة من العلاج ومواجهة السرطان، فهو يعرف ضرورة الاستمرار بتلقي جلسات الأشعة والجرعات الكيميائية، وعدم تأخيرها، ويعلم أن منع رحلات الحافلات بين حمص والعاصمة قد يعرّض المرضى وذويهم للاستغلال.
يشرح القاسمي في حديثه إلى "الأخبار" أنه كان معتاداً على السفر الدائم نحو دمشق بحكم عمله، وفكّر بالأعداد الكبيرة ممن تأثروا بإغلاق الطريق وعلى رأسهم مرضى السرطان، فقرر التطوع بتوصيل من يحتاج للسفر بسيارته الخاصة وبشكل مجاني.
ويقول إنه تواصل مع طبيب مختص بمعالجة الأورام وطلب منه ترشيح مريض أو مريضة كي يساعدهم بالتنقل، وبالفعل رشح له اسم مريضة كانت أول من استفاد من مبادرته، ولأن السيارة كانت تتسع للمزيد من المرضى حاول البحث عن أشخاص جدد، وحينما تعذر ذلك، نشر على "فايسبوك" إعلاناً عن مبادرته التطوعية.
يوضح المحامي الشاب أنه لم يتوقع حجم الطلبات التي انهالت عليه، الأمر الذي اضطره إلى التعاقد مع حافلة صغيرة، وبرغم ذلك يؤكد أنه يرفض تلقي أي تبرعات وهو يخبر كل من يستفيد من خدمته بأن التوصيل مجاني لمن لا يملك تكلفته.
لا ينكر القاسمي حجم التعب الذي يتعرض له يومياً، فهو يتواصل مع المرضى وينظّم القوائم، ثم يذهب إلى منزل كل مريض، وبعدها ينطلق نحو دمشق، وهناك يرافق من يحتاج إلى المساعدة، ويوصلهم أحياناً إلى مشفى المواساة في المزة في حال احتاجوا لأي صور أو اختبارات.
يؤكد القاسمي أن مبادرته مرتبطة بهذه الفترة طالما بقيت الطرقات مغلقة، ويتمنى لو تتبنى خدمته جهة حكومية أو أهلية لأن الجهد كبير ويحتاج إلى تعاون من عدة أشخاص، ويشدد على أنه لم يتلقّ دعماً من أي جهة، باستثناء ترخيص السفر الذي حصل عليه ليتمكن من نقل المرضى فقط.
وتخبرنا إحدى المستفيدات بأن مبادرة مازن وفّرت عليها الكثير من الجهد والتعب، فأولادها خارج البلد وتحتاج إلى من يرافقها، كما أنها تكبدت مصاريف كبيرة في الفترة الماضية. فبعد إغلاق الطرقات، كانت مضطرة لاستئجار سيّارة أجرة، ودفع مبالغ كبيرة تصل أحياناً إلى أربعين ألف ليرة سورية للرحلة.