«التحدي إجباري، والتراجع ممنوع»، هذه أهم جملة حفظها كنان غانم عن أبيه إبراهيم. لا يكفّ الرجل عن ترداد الجملة التي كانت قاعدة صلبة، بنى عليها مستقبله المهني والعلمي، لينتزع أخيراً درجة الدكتوراه في الحقوق، من جامعة دمشق.ولد غانم عام 1983، في قرية المعيصرات، التابعة لمدينة صافيتا في محافظة طرطوس. ورغم تشخيص الأطباء حالته الصحيّة بـ«التهاب شبكي صباغي» عند الولادة، فإنه احتفظ بحاسة البصر سنوات عدة. يقول غانم (متزوج ولديه طفلة)، لـ«الأخبار» مستذكراً طفولته: «كنت قادراً على رؤية الكلمات في الكتاب المدرسي وقراءتها إلى حد ما، حتى نهاية الصف الثاني الابتدائي». بشكل متسارع، تراجع بصر غانم، إلى أن فقده في نهاية المطاف، من دون أن يثنيه ذلك عن إتمام دراسته. «كنت أذاكر عن طريق المشافهة، كانت أمي تقرأ الدرس لي فأحفظه، وفي الامتحانات يُكلّف أستاذ متفرغ أملي عليه إجاباتي، فيدوّنها على الورق»، يقول.
حصل غانم على شهادة الثانوية العامة - الفرع الأدبي، وقرّر دخول كلية الحقوق في جامعة دمشق في عام 2001. ليتخرج بعد أربع سنوات من دون أي رسوب أو تعثّر. ثم تابع دراساته العليا في محافظة حلب بدءاً من عام 2006، لينال درجة الماجستير بامتياز في عام 2011 (قسم القانون الجزائي). يحنّ الرجل إلى أيام الدراسة في عاصمة سوريا الاقتصادية، ويعتبرها أجمل أيام حياته. يقول: «بالطبع واجهت صعوبة لأنني كنت جديداً في المدينة، ولا أعرف أحداً فيها. ثم أخذت في التأقلم، وعشت مع زملائي في المدينة الجامعية، مستقلاً معتمداً على نفسي». لاحقاً، استغلّ غانم، الموظف في فرع طرطوس لـ«مصرف سوريا المركزي»، التقنيات التي تتيحها الهواتف الخلوية الحديثة. استفاد من خاصية استخدام الصوت الناطق، وهي موجودة في الحواسيب أيضاً، لقراءة الكتب وإعداد الأبحاث، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يشرح بالقول: «بدأت التعامل مع هذه التقنية منذ عام 2005 إلى أن اعتدتها. البرامج الناطقة والكمبيوتر، أهم ما أثّر في حياتي إيجاباً، ونقلني من شخص يعتمد على الآخرين في القراءة، إلى شخص يقرأ كل شيء بنفسه، ومن دون مساعدة». أخيراً، ناقش غانم رسالة الدكتوراه عام 2019، وحصل عليها بتقدير «جيد جيداً»، ومعدل 83،4%. ولا يزال يستكمل الأوراق المطلوبة، للحصول على الشهادة بشكل رسمي. حفظ غانم القرآن كاملاً بالتزامن مع إنهائه المرحلة الجامعية الأولى. في عام 2013، أعلنت وزارة العدل السورية عن مسابقة لاختيار أفضل بحث قانوني، فتقدم غانم مدفوعاً بالحماس وحب إثبات الذات. يقول: «تفاجأت عندما أخبرني أهلي بأنني حصلت على الجائزة الأولى، من دون أن تعلم الوزارة أنني مكفوف البصر، حتى ساعة التكريم». لا يزال الرجل يطمح بمزيد من الإنجازات، هو الذي خسر بصره منذ الصغر، لكنه لم يفقد بصيرته أبداً.