يذهب المواطن في بلاد «نهفات ستان» بعيداً في الحلم، حين يتخيّل أن مسؤولاً ما، سيقفز إلى الشاشة الوطنية - أو حتى إلى «تويتر» أو «فايسبوك»، باعتباره البعبع الذي تخاف منه حكومة نهفات ستان نظرياً ـ ويخبر القطيع بأن هناك ظروفاً قاهرة، وأن على القطيع أن يتحمل مزيداً من ساعات التقنين، من دون نظام محدد. يمكن أن تأتي الكهرباء خمس دقائق من أصل ثلاث ساعات يفترض أن لا تقنين فيها، ويمكن ألا تأتي أبداً، اﻷمر لا يخضع ﻷي معيار. يسمي العالم الحديث هذا السلوك «شفافية»، بمعنى أن الحكومة المؤتمنة على قوت القطيع تتصرف بأمانة وصدق، وتخبر قطيعها بالظروف التي تمنع، أو تحول من دون تنعّمه بالكهرباء 24 ساعة. «ليست في اﻷمر مشكلة إذا تنعّمنا أقل من ذلك بكثير. كل ما في اﻷمر أننا نحتاج إلى هذه المعلومة الصغيرة جداً من فخاماتكم، وجلالات حضراتكم، لكي نعيد شحن بطاريات حياتنا على هدى برامجكم في التقنين... تقنين أي شيء، هذا كل شيء»، يقول المواطن «النهفاتستاني» الحالم. كل ما نرغب به من وقتكم «التيتانيومي» أن تهبونا عشر ثوان، هي الوقت اللازم لنشر «بوست» على «فايسبوك» يُخبر عن برامجكم في تقنين حياتنا، على ضوء المصلحة الوطنية العليا. هل رأيتم شعباً مطيعاً مثلنا؟ ليس عليكم أن تخبروا عن نقص في الغاز أو الفيول، لم يكن حاصلاً قبل شهر واحد فقط، نحن ندرك ذلك بداهةً، ونثق بأنكم حسبتم حساب اﻷمر في ظل الشتاء الصقيعي هذا. نثق بكم وبأنكم لم تقصّروا ولو لمرة واحدة في التفكير بنا ليلَ نهارَ، وسط مشاغلكم التي لا تنتهي.
فقط، لمرة واحدة، رجاء، أخبرونا ماذا ستفعلون بشأن مسألة سخيفة كالكهرباء. بالطبع، لا نطالبكم بشرح أو توضيح قضايا أكبر، مثل ارتفاع الأسعار الذي يجتاح البلاد، رغماً عن تهديداتكم بالويل والثبور لمن يرفع سعر أي بضاعة، بما في ذلك الصحف الوطنية والقومية، وخاصة صحيفة اللحمة الوطنية. أبداً، نقدّر أن عقولكم الكبيرة لن تجد الوقت الكافي لذلك، ولو كان يومكم 48 ساعة، ما كفاكم لخدمتنا.
صدّقونا لن نفعل مثلما فعل العراقيون، أو اللبنانيون، أو التشيليون، أو حتى اﻹيرانيون، ناكرو جمائل حكوماتهم جميعاً. الأسئلة التي تحيّرنا في بلادنا الجملكية: كيف يمكن لإنسان راتبه على اﻷقل 800 دولار إمبرياني، أن يتظاهر ويحتجّ ضد حكومته؟! وماذا يقصدون بـ«حياة كريمة»؟! وما تلك التي يسمونها «كرامة»؟! لا، وفوق ذلك يرتكبون المعاصي ويرقصون في الشوارع؟ يا عيب الشؤم عليهم أجمعين!
ﻻ يفكر المواطن النهفاتستاني بالتظاهرات والاحتجاجات بالتأكيد. لقد جرّبها، واكتشف كم خدعته اﻹمبريانية السافلة، وورّطته في شغلات كان في غنى عنها، لو أنه وضع عقله في فيش الكهرباء. يقول: «رغم أننا أكلنا فلقات بعدد شعر رؤوسنا، (يقصد: وَبرنا - نحن القطيع - في جملكية نهفات ستان)، فإننا نعلن توبتنا. نحن على استعداد ﻷن نبقى في العتمة، كرمى لانتصارات سوف تأتي في يوم ما. نحن على ثقة أننا سننتصر على الغزو الفضائي لنهفاتستاننا الحبيبة، بفضل قيادتكم، الحكيمة دائماً».
يعرف شعب نفهات ستان، أن الشرير ترامب، قرر بالضد من القانون الدولي (أي نعم، قانون دولي)، أن يسرق نفطاً لم نكن نعرف أنه موجود بهذه الكميات في بلاده الحبيبة. يعرف الشعب أيضاً، كم تسهر حكومته الليالي، كرمى لعين سعادته الغامرة. وكم تناضل للانتصار في حروب لم تحدث إلا ضدّه. نقصد ضدّ اﻷعداء، اﻷشرار، أولاد الكلب، الذين باعوا فيه واشتروه بأثمان بخسة، لعنة الله عليهم لعنةً لا تزول ولا تحول.
جهودكم العظيمة، جعلت أبناء «نهفاتستان»، الذين - لقلّة أصلهم - غادروا البلاد بقصد السياحة، ولم يعودوا، تتشهى أن تعود إلى بلاد السمن والعسل. لا تتخيلوا كم يشعر أولئك المساكين بالأسى، لأنهم خسروا الدنيا واﻵخرة.
ما علينا منهم، يقول النهفاتستاني الصّالح. ويضيف «كل ما نريده، إن كان مسموحاً لنا بذلك، أن تخبرونا، ونعتذر منكم على إشغالكم بهذه المسألة التافهة، أن تخبرونا، نكرر اعتذارنا، بأننا لا نزال على قيد الحياة بفضلكم. ودمتم لخدمتنا أبد الدهر».