زيت «الخريج» يعود بقوة إلى الميدان!

  • 0
  • ض
  • ض
زيت «الخريج» يعود بقوة إلى الميدان!

أوعية كبيرة فوق مواقد الحطب، تُسلق فيها حبوب الزيتون. هذا مشهد مألوف في عدد من مناطق الساحل السوري، في مثل هذا الوقت من العام، وقد عاد إلى الرواج أخيراً، مع عودة انتشار «زيت الخريج» من جديد. يرجع تاريخ استخراج «الخريج» من حبوب الزيتون المسلوقة، إلى زمن قد يكون أقدم من عهد المملكة الأوغاريتية، حيث اكتُشفت آثار معاصر زيتون. ويشير وجود «الباطوس» (كلمة سريانية تعني الحجر الدائري) وانتشاره في المنطقة الممتدة حتى فلسطين، إلى أن هذا النوع من الزيت كان معروفاً في شرق المتوسط. أما مصطلح «الخريج»، فعلى الأرجح، مشتقّ من الكلمة العربية «استخراج». يتطابق المصطلح مع استخراج الزيت من حبوب الزيتون، التي تمر بمراحل تستغرق أكثر من عشرة أيام، وتبدأ بسلق الزيتون على الحطب «نصف سلقة»، كما تقول السيدة ماريا إبراهيم، من قرية «بستان الحمام» في اللاذقية. بعدها، ينقل الزيتون المسلوق إلى أسطح المنازل المنظّفة مسبقاً، وتتم العملية باستخدام «القفير» وهو وعاء يُصنع من أعواد الريحان حصراً. تُفرش الحبوب المسلوقة وتُغطى، لتُكشّف بعد أيام وتترك لتجفّ تحت ضوء الشمس، من ثلاثة إلى عشرة أيام. تقول ماريّا «بعدها تُجمع الحبوب في أكياس خيش، وتنقل إلى المعصرة». يأتي دور «الباطوس»، وهي أداة حجرية دائرية (يبلغ وزنها قرابة طن)، مركّبة على محور خشبي قابل للدوران فوق سطح سطري ناعم. تُرمى الحبوب تحت «الباطوس» وتُهرس مرات عدة. ثم تُجمع وتوضع في «العليقات»، وهي أوعية مصنوعة من القنب، تسمح بمرور الزيت من فتحاتها، عند وضعها تحت ثقل عمود خشبي كبير، ليُعصر الزيتون المجروش. (حالياً توضع العليقات تحت ثقل مكابس هيدروليكية). يتميز الزيت الناتج بأنه كثيف، ولونه أقرب إلى الأسود وذو رائحة حرّيفة. ينتشر إنتاج هذا النوع من الزيت، بشكل رئيس في أرياف بانياس وجبلة وطرطوس. وحتى وقت قريب، بدا أن هذه الطريقة في طريقها إلى الانقراض، بعد انتشار عشرات المعاصر الحديثة، المؤتمتة بالكامل، وشيوع استخدام زيوت بديلة، كالذرة وعباد الشمس، وبسبب الجهد الكبير الذي تتطلبه عمليتا السلق والعصر. وأسهم في انحسار «الخريج» أيضاً، التأكد من أن حموضته تزيد عن 5%، أي أنه من النوع غير الصالح للاستهلاك البشري، وفق معايير «منظمة الصحة العالمية». تحدد المنظمة نسبة حموضة 3.3% حدّاً أكبر لصلاحية الزيت، وفقاً للدكتور هيثم زوباري، أخصّائي التغذية. يقول زوباري «من أهم الآثار السلبية لزيت الخريج التهاب المفاصل، وهذا الموضوع تحدثنا عنه طويلاً. أكثر من 80 % ممن يستخدمون زيت الخريج يعانون من التهاب المفاصل». برغم ذلك، أدّت الظروف الاقتصادية إلى عودة «الخريج» إلى الانتشار، في ظل ارتفاع أسعار الزيوت المستوردة تبعاً لارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار زيت الزيتون المحلي من 150 ليرة إلى 1500 لليتر الواحد. اعتاد السكان أخيراً، خلط «الخريج» بأنواع أقل جودة (مثل زيت الذرة المباع في عبوات معدنية). يبلغ سعر عبوة الخريج (16 ليتراً) حوالى 45 ألف ليرة (حوالى 70 دولاراً)، أما سعر عبوة الزيت المستوردة، فلا يتجاوز 8 آلاف (حوالى 15 دولاراً). يتيح خلط ليتر من زيت الخريج، مع علبة زيت مستورد، الحصول على نوع ثالث من الزيوت، طعمه زيتون، ورائحته كذلك.

0 تعليق

التعليقات